للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَرْكًا لِنَقْلِ الْعِبَادَةِ، كَنَقْلِ بَعْضِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، أَوْ تَرْكًا لِنَقْلِ فَرْضٍ آخَرَ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ، كَتَرْكِ نَقْلِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا. قَالَ: (وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ الِاخْتِصَارُ) . انْتَهَى.

وَمِنَ الْأَمْثِلَةِ لِبَعْضِ هَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ يَسْتَنْجِي بِهِمَا فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وَقَالَ: (إِنَّهَا رِجْسٌ، ابْغِ لِي ثَالِثًا» ) فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا عَدَا قَوْلَهُ: (ابْغِ لِي ثَالِثًا) .

وَإِنْ كَانَ لَا يُخِلُّ بِرَمْيِ الرَّوْثَةِ وَأَنَّهَا رِجْسٌ، لِإِيهَامِهِ الِاكْتِفَاءَ بِحَجَرَيْنِ، لَكِنْ فَرَّقَ الْإِمَامُ لِمِثْلِ هَذَا بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الرَّاوِي الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِمَنْعِ اسْتِعْمَالِ الرَّوْثِ، فَيَسُوغُ حِينَئِذٍ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ غَرَضًا خَاصًّا فَلَا. وَفِيهِ تَوَقُّفٌ.

ثُمَّ إِنَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا يُنَازِعُ فِيهِ مَنْ لَمْ يُجِزِ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ، وَالَّذِي حَذَفَهُ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي أَمْرَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ مُسْلِمٍ فِي مُقَدِّمَةِ (صَحِيحِهِ) : إِنَّهُ لَا يُكَرَّرُ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعٌ لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تِرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى، أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ، أَوْ يَفْصِلُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ، وَلَكِنَّ تَفْصِيلَهُ رُبَّمَا عَسَّرَ مِنْ جُمْلَتِهِ، فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ.

فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِنْ إِعَادَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>