للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى.

وَرُبَّمَا يَسْلُكُ مَسْلَكًا دَقِيقًا يَرْمُزُ فِيهِ لِلْبَيَانِ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَجِّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ - هُوَ الزُّهْرِيِّ - عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ، فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ» ) .

فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنَّمَا عَدَلَ عَنْ أَنْ يَقْطَعَ السَّنَدَ الْأَوَّلَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ مِنَ الثَّانِي: كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ. لِكَوْنِ اللَّفْظِ لِلثَّانِي فَقَطْ، وَيَتَأَيَّدُ بِجَزْمِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بِأَنَّ سَتْرَ الْكَعْبَةِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَفْصَةَ خَاصَّةً دُونَ عُقَيْلٍ، وَحِينَئِذٍ فَرِوَايَةُ عُقَيْلٍ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَابِ الَّذِي أَوْرَدَهَا فِيهِ، وَهُوَ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ} [المائدة: ٩٧] الْآيَةَ.

وَلِذَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: إِنَّ عَادَةَ الْبُخَارِيِّ التَّجَوُّزُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَقَوْلُ أَبِي دَاوُدَ فِي (سُنَنِهِ) : ثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَبُو تَوْبَةَ، الْمَعْنَى قَالَا: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ. يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِهِمَا مَعًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ: وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِأَبِي تَوْبَةَ فَقَطْ، وَيَكُونَ اللَّفْظُ لِلْأَوَّلِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ: وَاللَّفْظُ لِفُلَانٍ.

قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ أَلَّا يَكُونَ رَوَاهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ: وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ. لَا انْحِصَارَ لَهُ فِي أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمَعْنَى، وَأَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ لَفْظٌ ثَالِثٌ غَيْرُ لَفْظَيْهِمَا.

وَالْأَحْوَالُ كُلِّهَا آيِلَةٌ فِي الْغَالِبِ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسُوقَ الْحَدِيثَ عَلَى لَفْظٍ مَرْوِيٍّ لَهُ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْبَاقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>