عَلِيٍّ حَنْبَلٌ الرُّصَافِيُّ، فَإِنَّهُ سَافَرَ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى الشَّامِ بِقَصْدِ خِدْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَةِ أَحَادِيثِهِ فِي بَلَدٍ لَا تُرْوَى فِيهِ، وَحَدَّثَ بِـ (مُسْنَدِ أَحْمَدَ) ، فَاجْتَمَعَ بِمَجْلِسِهِ لِهَذِهِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ مِنَ الْخَلَائِقِ مَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِي مَجْلِسٍ قَبْلَهُ بِدِمَشْقَ، كَمَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ.
وَكَذَا كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ الصَّيْرَفِيُّ - وَهُوَ مِنَ الدِّينِ عَلَى نِهَايَةٍ - يَسْأَلُ مَنْ يَقْصِدُهُ عَنْ مَدِينَةٍ بَعْدَ مَدِينَةٍ: هَلْ بَقِيَ فِيهَا مَنْ يُحَدِّثُ؟ فَإِذَا عَلِمَ خُلُوَ بَلَدٍ عَنْ مُحَدِّثٍ خَرَجَ إِلَيْهَا فِي السِّرِّ لِرَغْبَتِهِ فِي بَذْلِ الْحَدِيثِ فَحَدَّثَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ. حَكَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ تَأْرِيخِهِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقْصَدُ فِي هَذَا الْعِلْمِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: التَّعَبُّدُ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ، وَيَحْتَاجُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا عِنْدَ اللَّفْظِ بِهِ، وَلَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ.
وَالثَّانِي: قَصْدُ الِانْتِفَاعِ وَالنَّفْعِ لِلْغَيْرِ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ - وَقَدِ اسْتُكْثِرَ كَثْرَةُ الْكِتَابَةِ مِنْهُ -: لَعَلَّ الْكَلِمَةَ الَّتِي فِيهَا نَجَاتِي لَمْ أَسْمَعْهَا إِلَى الْآنِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ عَلَى هَذَيْنَ لَمَّا قَلَّ الِاحْتِيَاجُ إِلَى عِلْمِ الْحَدِيثِ، لِتَدْوِينِ الْأَحَادِيثِ فِي الْكُتُبِ وَانْقِطَاعِ الِاجْتِهَادِ غَالِبًا، وَإِلَّا فَالْفَائِدَةُ الْعُظْمَى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهَا.
وَمِنْ أَعْظَمِ فَوَائِدِهِ الْآنَ شَيْئًانِ: أَحَدُهُمَا: ضَبْطُ أَلْفَاظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَكْرَارِ سَمَاعِهَا، إِذْ لَوْ تُرِكَ السَّمَاعُ لَبَعُدَ الْعَهْدُ بِهَا، وَتَطَرَّقَ التَّحْرِيفُ لَهَا، كَمَا جَرَى فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute