للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمْنَعُ ذَلِكَ، كَمَا اتَّفَقَ لِشَيْخِنَا حَيْثُ قَالَ لِشَيْخِهِ الْبُرْهَانِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ الْآمِدِيِّ: وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَنْ وَالِدَيْكُمْ. فَقَالَ لَهُ الْبُرْهَانُ: لَا تَقُلْ هَكَذَا. يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَلَوْ قَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْ سَيِّدِنَا. جَازَ إِذَا عَرَفَ الْمُمْلِي قَدَرَ نَفْسِهِ. يَعْنِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» ) . قَالَ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ. يَعْنِي لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِطْرَاءِ.

قَالَ: وَقَدْ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيِّ، وَكَانَ شَيْخًا صَالِحًا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ، فَقُلْتُ: رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ فُلَانٍ. فَنَهَانِي عَنْهُ وَقَالَ: قُلْ: وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَعَنْ وَالِدَيْكَ. وَحَرَّمَ شَيْبَتَكَ عَلَى النَّارِ. فَقُلْتُهَا وَهُوَ يَبْكِي.

وَجَرَى ذَلِكَ لَآخَرَ فَقَالَ: لَا تُعَظِّمْنِي عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّي. قَالَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ: نِلْتُ الْقَضَا وَقَضَا الْقُضَاةِ وَالْوَزَارَةِ وَكَذَا وَكَذَا، فَمَا سُرِرْتُ بِشَيْءٍ مِثْلَ قَوْلِ الْمُسْتَمْلِي: مَنْ ذَكَرْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ.

وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْمَأْمُونِ: مَا أَشْتَهِي مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عِنْدِي، وَيَجِيءَ الْمُسْتَمْلِي فَيَقُولَ: مَنْ ذَكَرْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ: قِيلَ لِلْمَنْصُورِ: هَلْ بَقِيَ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا شَيْءٌ لَمْ تَنَلْهُ؟ قَالَ: بَقِيَتْ خَصْلَةٌ ; أَنْ أَقْعُدَ فِي مَصْطَبَةٍ وَحَوْلِي أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَيَقُولَ الْمُسْتَمْلِي: مَنْ ذَكَرْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهِ النُّدَمَاءُ وَأَبْنَاءُ الْوُزَرَاءِ بِالْمَحَابِرِ وَالدَّفَاتِرِ فَقَالَ: لَسْتُمْ هُمْ، إِنَّمَا هُمُ الدَّنِسَةُ ثِيَابُهُمْ، الْمُتَشَقِّقَةُ أَرْجُلُهُمْ، الطَّوِيلَةُ شُعُورُهُمْ. يَرِدُ الْآفَاقَ وَنَقَلَةَ الْحَدِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>