وَمِنْ أَبْلَغِ مَا يُحْكَى عَنِ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ سَلَمَةَ بْنَ شَبِيبٍ: كُنَّا عِنْدَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَوَقَعَ صَبِيٌّ تَحْتَ أَقْدَامِ الرِّجَالِ، فَقَالَ يَزِيدُ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَانْظُرُوا مَا حَالُ الصَّبِيِّ، فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَتْ حَدَقَتَاهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَبَا خَالِدٍ، زِدْنَا، فَقَالَ يَزِيدُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَدْ نَزَلَ بِهَذَا الْغُلَامِ مَا نَزَلَ وَهُوَ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ.
وَامْتَهِنْ نَفْسَكَ بِالتَّقَنُّعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَالتَّوَاضُعِ ; فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَطْلُبُ هَذَا الْعِلْمَ أَحَدٌ بِالتَّمَلُّكِ وَعِزِّ النَّفْسِ فَيُفْلِحَ، وَلَكِنْ مَنْ طَلَبَهُ بِذِلَّةِ النَّفْسِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَخِدْمَةِ الْعُلَمَاءِ وَالتَّوَاضُعِ أَفْلَحَ.
[اخْتِيَارُ الشُّيُوخِ وَالرِّحْلَةِ لِلْحَدِيثِ] :
(وَابْدَأْ بِـ) أَخْذِ (عَوَالِي) شُيُوخِ (مِصْرِكَا) ، وَلَا تَنْفَكَّ عَنْ مُلَازَمَتِهِمْ وَالْعُكُوفِ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسْتَوْفِيَهَا، (وَ) ابْدَأْ مِنْهَا بِـ (مَا يُهِمُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ، مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ ; كَالْمَرْوِيِّ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ - كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ - بِغَيْرِ الْمُهِمِّ أَضَرَّ بِالْمُهِمِّ.
وَإِنِ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي السَّنَدِ وَأَرَدْتَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَالْأَوْلَى أَنْ تَتَخَيَّرَ الْمَشْهُورَ مِنْهُمْ بِالطَّلَبِ، وَالْمُشَارَ إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالْإِتْقَانِ فِيهِ وَالْمَعْرِفَةِ لَهُ، فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي ذَلِكَ أَيْضًا فَتَخَيَّرَ الْأَشْرَافَ وَذَوِي الْأَنْسَابِ مِنْهُمْ ; لِحَدِيثِ: ( «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute