يُغَيِّرُ الْأَفْهَامَ، وَيُفْسِدُ الْأَخْلَاقَ، وَيُحِيلُ الطِّبَاعَ. ثُمَّ سَاقَ عَنْ هُشَيْمٍ قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى سَاءَ خُلُقُهُ.
وَأَوْرَدَ قَبْلَ ذَلِكَ أَلْفَاظًا صَدَرَتْ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ فِي حَقِّ مَنْ أَضْجَرَهُمْ مِنَ الطُّلَّابِ ; كَقَوْلِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ يُخَاطِبُهُمْ: مَا رَأَيْتُ أَعْجَبَ مِنْكُمْ، تَأْتُونَ بِدُونِ دَعْوَةٍ، وَتَزُورُونَ مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ وَمَحَبَّةٍ، وَتُمِلُّونَ بِالْمُجَالَسَةِ، وَتُبْرِمُونَ بِطُولِ الْمُسَاءَلَةِ.
وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَقُومَ عَنْ حَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنْ كَلَّفْتِنِي مَا لَمْ أُطِقْ سَاءَكَ مَا سَرَّكَ مِنِّي مِنْ خُلُقٍ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى ابْنِ بِنْتِ السُّدِّيِّ: دَخَلْنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ عَلَى مَالِكٍ، فَحَدَّثَنَا سَبْعَةَ أَحَادِيثَ، فَاسْتَزَدْنَاهُ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَانْصَرَفُوا إِلَّا جَمَاعَةً أَنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ حَيَاءٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَانَصَرَفُوا إِلَّا جَمَاعَةً أَنَا مِنْهُمْ، فَقَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَانْصَرَفُوا إِلَّا جَمَاعَةً أَنَا مِنْهُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: يَا غِلْمَانُ، أَقْفَاءَهُمْ ; فَإِنَّهُ لَا بُقْيَا عَلَى قَوْمٍ لَا دِينَ لَهُمْ وَلَا حَيَاءَ وَلَا مُرُوءَةَ.
وَيُخْشَى كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ أَنْ يُحْرَمَ الِانْتِفَاعَ كَمَا وَقَعَ لِلشَّرِيفِ زَيْرَكَ أَحَدِ أَصْحَابِ النَّاظِمِ حِينَ قَرَأَ (الْعُمْدَةَ) عَلَى الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْدَاوِيِّ فِي حَالِ كِبَرِهِ وَعَجْزِهِ عَنِ الْإِسْمَاعِ إِلَّا الْيَسِيرَ بِالْمُلَاطَفَةِ، وَأَطَالَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ أَضْجَرَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَا أَحْيَاكَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute