مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَصْحَابِ الْخَطِيبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِانْقِرَاضِهِمْ قَبِلَ السِّتِّمِائَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَآخِرُهُمْ كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثَ عَشَرَةٍ وَسِتِّمِائَةٍ، قَالَ: وَهَكَذَا رَأَيْتُ نُبَلَاءَ أَصْحَابِهِ بِمِصْرَ وَإِسْكَنْدَرِيَّةَ يَغَارُونَ عَلَى هَذَا أَشَدَّ الْغَيْرَةِ مَا خَلَا الْأَسْعَدَ بْنَ مُقَرَّبٍ ; فَإِنَّهُ كَانَ مُفِيدًا، وَعِنْدِي فِي هَذَا تَوَقُّفٌ كَبِيرٌ، وَقَدْ أَشَرْتُ لِرَدِّ مَا نَسَبَهُ ابْنُ مَسْدَى إِلَيْهِمَا أَيْضًا مِمَّا يُشْبِهُ هَذَا فِي كِتَابَةِ التَّسْمِيعِ.
وَكَذَا اجْتَنِبْ مَنْعَ عَارِيَةِ الْجُزْءِ أَوِ الْكِتَابِ الْمَسْمُوعِ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ أَوِ السَّمَاعِ وَالْكِتَابَةِ مِنْهُ، لَا سِيَّمَا حَيْثُ لَمْ تَتَعَدَّدْ نُسَخُهُ ; فَإِنَّهَا تَتَأَكَّدُ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا يَعْلَمُهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» ) ، فَهُوَ شَامِلٌ لِهَذَا، وَهَذِهِ الْعَارِيَةُ غَيْرُ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابَةِ التَّسْمِيعِ فَتِلْكَ مَضَى الْكَلَامُ فِيهَا مَعَ الْحِكَايَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ رَأَيْنَا أَقْوَامَنَا مَنَعُوا هَذَا السَّمَاعَ، فَوَاللَّهِ مَا أَفْلَحُوا وَلَا أَنْجَحُوا.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ أَيْضًا: وَلَقَدْ شَاهَدْنَا جَمَاعَةً كَانُوا يَسْتَأْثِرُونَ بِالسَّمَاعِ، وَيُخْفُونَ الشُّيُوخَ، وَيَمْنَعُونَ الْأَجْزَاءَ وَالْكُتُبَ عَنِ الطَّلَبَةِ، فَحَرَمَهُمُ اللَّهُ قَصْدَهُمْ، وَذَهَبُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ.
وَكَذَا أَقُولُ: وَكَيْفَ لَا؟ وَقَدْ قَالَ وَكِيعٌ: أَوَّلُ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إِعَارَةُ الْكُتُبِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكْتُمَ عَمَّنْ لَمْ يَرَهُ أَهْلًا، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ الصَّوَابَ إِذَا أُرْشِدَ إِلَيْهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ.
وَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ: مَنْ أَدَّاهُ - لِجَهْلِهِ - فَرْطُ التِّيهِ وَالْإِعْجَابِ إِلَى الْمُحَامَاتِ عَنِ الْخَطَأِ، وَالْمُمَارَاةِ فِي الصَّوَابِ، فَهُوَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ مَذْمُومٌ مَأْثُومٌ، وَمُحْتَجِرُ الْفَائِدَةِ عَنْهُ غَيْرُ مُؤَنَّبٍ وَلَا مَلُومٍ.
وَسَاقَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى: لَا تَرُدَّنَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute