اكْتُبْ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَإِذَا حَدَّثْتَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ. وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَمَلْتُ عَنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَرَوَيْتُ عَنِ أَلْفٍ.
وَصَرَّحَ شَيْخُنَا فِي بَعْضِ مَنْ يَحْمِلُ عَنْهُ مِنْ شُيُوخِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْأَدَاءَ عَنْهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ: اكْتُبِ الْفَائِدَةَ مِمَّنْ سَمِعْتَهَا، وَلَا تُؤَخِّرْ ذَلِكَ حَتَّى تَنْظُرَ فِيمَنْ حَدَّثَكَ أَهْوَ أَهْلٌ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ أَمْ لَا، فَرُبَّمَا فَاتَ ذَلِكَ بِمَوْتِ الشَّيْخِ أَوْ سَفَرِهِ أَوْ سَفَرِكَ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَوْ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْمَرْوِيِّ فَفَتِّشْ حِينَئِذٍ.
قَالَ: وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ: (بَابُ مَنْ قَالَ: يَكْتُبُ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ) ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اسْتِيعَابَ الْكِتَابِ الْمَسْمُوعِ وَتَرْكَ انْتِخَابِهِ، أَوِ اسْتِيعَابَ مَا عِنْدَ الشَّيْخِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ الرِّوَايَةِ أَوِ الْعَمَلِ نَظَرَ فِيهِ وَتَأَمَّلَهُ.
وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ مَهْدِيٍّ مَا يُشِيرُ إِلَى الِاحْتِمَالَيْنِ ; فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَكُونُ إِمَامًا مَنْ حَدَّثَ عَنْ كُلِّ مَنْ رَأَى وَلَا بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
[الِانْتِخَابِ عِنْدَ الضَّرُورَةَ] وَيَشْهَدُ لِلثَّانِي النَّهْيُ عَنِ الِانْتِخَابِ ; لِقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: (وَالْكِتَابَ) ، أَوِ الْجُزْءَ، بِالنَّصْبِ (تَمِّمْ) أَيُّهَا الطَّالِبُ (سَمَاعَهُ) وَكِتَابَتَهُ، وَ (لَا تَنْتَخِبْهُ تَنْدَمِ) ; فَإِنَّكَ قَدْ تَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى رِوَايَةِ شَيْءٍ مِنْهُ، فَلَا تَجِدُهُ فِيمَا انْتَخَبْتَهُ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا انْتَخَبْتُ عَلَى عَالِمٍ قَطُّ إِلَّا نَدِمْتُ.
وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: مَا جَاءَ مِنْ مُنْتَقٍ خَيْرٌ قَطُّ. وَعَنِ ابْنِ مَعِينٍ قَالَ: سَيَنْدَمُ الْمُنْتَخِبُ فِي الْحَدِيثِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: صَاحِبُ الِانْتِخَابِ يَنْدَمُ، وَصَاحِبُ النَّسْخِ لَا يَنْدَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute