للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طَلَبُ الْعُلُوِّ فِي الْحَدِيثِ سُنَّةٌ] :

(وَطَلَبُ الْعُلُوِّ) الَّذِي هُوَ قِلَّةُ الْوَسَائِطِ فِي السَّنَدِ أَوْ قِدَمُ سَمَاعِ الرَّاوِي أَوْ وَفَاتِهِ (سُنَّةٌ) عَمَّنْ سَلَفَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، بَلْ قَالَ الْحَاكِمُ: إِنَّهُ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، مُتَمَسِّكًا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي مَجِيءِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعَ مِنْهُ مُشَافَهَةً مَا سَلَفَ سَمَاعُهُ لَهُ مِنْ رَسُولِهِ إِلَيْهِمْ ; إِذْ لَوْ كَانَ الْعُلُوُّ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ بِهِ رَسُولُهُ عَنْهُ، وَتَرْكَ اقْتِصَارِهِ عَلَى خَبَرِهِ لَهُ.

وَلَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِ الْبُخَارِيِّ فِي أَنَّ قَوْلَ ضِمَامٍ: (آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ) إِخْبَارٌ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ عِيَاضٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ حَضَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ مُسْتَثْبِتًا مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: (فَإِنَّ رَسُولَكَ زَعَمَ) ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ: ( «أَتَتْنَا كُتُبُكَ، وَأَتَتْنَا رُسُلُكَ» ) .

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: (آمَنْتُ) إِنْشَاءٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى صَنِيعِ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ مَا جَاءَ فِي الْمُشْرِكِ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ، وَرَجَّحَهُ الْقُرْطُبِيُّ مُتَمَسِّكًا فِيهِ بِقَوْلِهِ: (زَعَمَ) ; فَإِنَّ الزَّعْمَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ، فَلَا ; فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إِنَّمَا يَكُونُ مَجِيئُهُ وَهُوَ شَاكٌّ لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَأَرْسَلَهُ قَوْمُهُ لِيَسْأَلَ لَهُمْ.

قَالَ شَيْخُنَا: (وَفِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا: فَالزَّعْمُ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ فَصِيحِ شَيْخِهِ ثَعْلَبٍ، وَأَكْثَرَ سِيبَوَيْهَ مِنْ قَوْلِهِ: زَعَمَ الْخَلِيلُ فِي مَقَامِ الِاحْتِجَاجِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلَوْ كَانَ إِنْشَاءً لَكَانَ طَلَبَ مُعْجِزَةً تُوجِبُ لَهُ التَّصْدِيقَ، عَلَى أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>