للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أتيتك لما ضاق في الأرض مسلكي ... وأنكرت مما قد أصيب به عقلي

ففرج كلاك الله عني فإنني ... لقيت الذي لم يلقه أحد قبلي

وخذ لي هداك الله حقي من الذي ... رماني بسهم كان أهونه قتلي

وكنت أرجى عدله إذا أتيته ... فأكثر تردادي مع الحبس والكبل

فطلقتها من جهد ما قد أصابني ... فهذا أمير المؤمنين من العدل

فاستدناه وقال له ما شأنك، قال تزوجت ابنة عمي وكانت من المبررات في الجمال والحياء، فأنفقت عليها إلى أن أملقت، فرفع أبوها القصة إلى ابن أم الحكم فضيق علي السجن والقيود حتى طلقت كارهاً، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوج بها فأتيتك مستغيثاً بعدلك، فكتب معاوية إليه يغلظ عليه ويأمره بالتخلي عنها، ويقول في آخر الكتاب:

ركبت ذنباً عظيماً لست أعرفه ... فاستغفر الله من جور أمرىء زاني

قد كنت تشبه صوفياً له كتب ... من الفرائض أو آيات فرقان

حتى أتاني الفتى العذري منتحباً ... يشكو إليّ بحق غير بهتان

أعطى الإله عهوداً لا أخيس بها ... أولاً فبرئت من ديني وإيماني

إن أنت راجعتني فيما كتبت به ... لأجعلنك لحماً بين عقبان

طلق سعاد وفارقها بمجتمع ... واشهد على ذاك نصر أو ابن ظبيان

فما سمعت كما بلغت من عجب ... ولا فعالك حقاً فعل إنسان

فلما وقف عليه، قال وددت لو خلي بيني وبينها سنة، ثم عرضني على السيف ثم طلقها فأخرجها، فلما وصلت إلى معاوية وقد تعجب الناس من حسنها، وقالوا هذه لا تصلح لأعرابي، إنما تكون لأمير المؤمنين فعجب بها ثم استنطقها، فإذ هي فتنة فقال له هل لك عوض عنها، قال نعم إذا بان رأسي عن بدني، ثم أنشد:

لا تجعلني والأمثال تضرب بي ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

أردد سعاد على حران مكتئب ... يمسي ويصبح في همّ وتذكار

قد شفه قلق ما مثله قلق ... وأشعر القلب منه أي أشعار

والله والله لا أنسى محبتها ... حتى أغيب في رمس وأحجار

كيف السلو وقد هام الفؤاد بها ... وأصبح القلب عنها غير صبار

فغضب معاوية من ذلك وخيرها بينه وبين ابن أم الحكم وبين ابن عمها، فأنشدت:

هذا وإن أصبح في اطمار ... وكان في نقص من اليسار

أكبر عندي من أبي وجاري ... وصاحب الدرهم والدينار

أخشى إذا غدرت حر النار ... خل سبيلي ما به من عار

لعلنا نرجع للديار ... وإن عسى نظفر بالأوطار

فقال خذها لا بارك الله لك فيها وأمر أن تقيم إلى تمام العدة، فلما انقضت دفعها إليه مع ناقة وعشرة آلاف دينار.

ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب عن بعض الحمدونية، قال صحبت المتوكل إلى الشام، وكنت مغرماً بالفراديس لظرفها، فحين بلغناها قال المتوكل هل لك في أن تتصفح الكنائس والرياض فتتنزه فيها، فقلت نعم، فأخذ بيدي وجعلنا نستقري الأماكن ونشاهد ما فيها من العجائب، وحسن ثياب النصارى، حتى خلوت براهب الكنيسة فجعل الخليفة يسأله عن كل من يمر، حتى أقبلت جارية لم يرمق أحسن منها، وبيدها مجمرة تبخر فسأله عنها فقال هي ابنتي، قال ما اسمها قال شعانين، فقال لها المتوكل يا شعانين اسقني ماء، فقالت يا سيدي ليس هنا إلا ماء الغدران، وأنا لا أستنظفه لك ولو كانت حياتي ترويك لجدت بها، وأسرعت بكوز فضة فأومأ إلي أن أشربه فشربته، ثم قال لها إن هويتك تساعديني، فقالت أنا الآن بإمرتك وأما إذا صدق المحب في المحبة فما أخوفني من الطغيان أما سمعت قول الشاعر:

كنت لي في أوائل الأمر حباً ... ثم لما ملكت صرت عدوّا

أين ذاك السرور عند التلاقي ... صار مني تجنباً ونبوأ

<<  <   >  >>