قال ابن النحاس وأصل ذلك أن البدوي كان أكثر ما يكون مع راعيه ورفيقه أو أن نزل ابنتيه منزلة الجمع تعظيماً، ثم عاد إلى أصله وقد حكى في شرح العبدونية هذه القصة عن المهلهل، وقال في صدر البيت الأول من مبلغ الأقوام أن مهلهلاً والباقي على حكمه.
[أخبار عتبة بن الحباب وصاحبته ريا]
هو عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري.
وصاحبته هي ريا بنت الغطريف السللي. علقها بمسجد الأحزاب يوم منتزه، وأصل ذلك أن عبد الله بن معمر القيسي حين دخل المدينة قال بينما قد زرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً وجلست إذا أنا بشخص ينشد بصوت شجي ولا أراه:
أشجاك نوح حمائم السدر ... فاهجن منك بلابل الصدر
يا ليلة طالت على دنف ... يشكو الفراق وقلة الصبر
أسلمك من تهوى لحرّ جوى ... متوقد كتوقد الجمر
ما كنت أعلم أنني كلف ... حتى تلفت وكنت لا أدري
فالبدر يشهد أنني كلف ... مغري بحب شبيهة البدر
وفي رواية صاحب الأصل تقديم هذا وصدر الذي قبله ما كنت أحسب إنني شجن فتبعت الصوت فرأيت شاباً حرقت الدموع خده، فقال لي اجلس أحدثك أنا فلان كنت يوماً بمسجد الأحزاب إذا بنسوة يتنزهن، فيهن جارية لم أر مثلها، وقفت علي وقالت ما تقول في وصل من يطلب وصلك، ثم مضت فلم أعرف خبرها، ثم غشي عليه ساعة فلما أفاق أنشد:
أراكم بقلبي من بلاد بعيدة ... تراكم تروني في القلوب على البعد
فؤادي وطرفي يأسفان عليكم ... وعندكم روحي وذكركم عندي
ولست ألذ العيش حتى أراكم ولو ... كنت في الفردوس أو جنة الخلد
فشرعت في تسليته، فقال هيهات أو يؤب القارظان مثل مشهور أصله أن أخوين خرجا يجتنيان القرظ نبت معروف فلم يعلم لهما خبر، قال عبد الله فلما طلع الصبح قلت له قم بنا إلى مسجد الأحزاب فأنشد:
يا للرجال ليوم الأربعاء أما ... ينفك يحدث لي بعد النوى طربا
ما أن يزال غزال فيه يظلمني ... يهوى إلى مسجد الأحزاب منتقبا
يخبر الناس أن الأجر هيمه ... أو أنه طالب للأجر محتسبا
لو كان يبغي ثواباً ما أتى ظهراً ... مضمخاً بفتيت المسك مختضبا
فمضينا إلى المسجد فحيناً صلينا الظهر أقبل النسوة ولم نر الجارية فيهن، فقلن له ما ظنك بمطالبة وصالك، فقال وأين هي، قلن له مضى بها أبوها إلى السماوة فأنشد:
خليليّ ريا قد أجدّ بكورها ... وسارت إلى أرض السماوة عيرها
خليليّ قد غشيت من كثرة البكى ... فهل عند غيري عبرة استعيرها
فقلت له قد وردت بمال جزيل أريد به الحج، وقد عزمت على أن أبذله في حاجتك فهل لك أن تسير معي إلى قومها وأبيها، فقال نعم فسافرنا إلى أن وافينا أباها، ففرش لنا الانطاع ونحر لنا النحائر، فحلفنا ألا نأكل له طعاماً أو يقضي حاجتنا، فقال اذكروها فأعلمناه بخطبة عتبة، فقال من عتبة، فقلنا من الأنصار، قال ذاك إليها فقلنا له أخبرها، فدخل عليها وأعلمها فشكرت عتبة فقال قد نمى إلي أمرك معه وأقسم لا أزوجك به، فقالت إن الأنصار لا يردون رداً قبيحاً فإن كان ولا بد فاغلظ عليهم المهر، فقال نعم ما أشربت به، ثم خرج فقال قد أجبت ولكن على ألف دينار وخمسة آلاف درهم هجرية ومائة ثوب من الابراد والخز وخمسة أكراس من العنبر، فضمنا له ذلك وقلنا له إذا أحضرناها أجبت قال فاحضرنا ذلك، فأولم أربعين يوماً ثم أخذناها ومضينا، فحين قاربنا المدينة خرج علينا خيل كثيرة حسبنا وهم بأمر أبيها فقاتلناهم زماناً، فجاءت طعنة في نحر عتبة فسقط ودمه يفور، فجاءتنا النجدة فإذا هو ميت فحين علمت الجارية بموته جاءت حتى انكبت عليه وأنشدت:
تصبرت لا إني صبرت وإنما ... أعلل نفسي أنها بك لاحقه
ولو انصفت روحي لكانت إلى الردى ... أمامك من دون البرية سابقه
فما أحد بعدي وبعدك منصف ... خليلاً ولا نفس لنفس موافقه