ويا قبر ليلى إنّ ليلى غريبة ... براذن لم يشهدك خال به وعمّ
ولم يزل كذلك حتى مات ودفن إلى جانبها.
[ومنهم رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف]
تزوج ابنة عمه، فشغف بها حتى لم يستطع فراقها فنفد ما معه، وضاق حاله، ولم يكتسب شيئاً يقتات به، فقالت له يوماً لو خرجت إلى هشام بن عبد الملك فسألته شيئاً لما منعك، فجهز نفسه، فلما صار قرب الرصافة أغمي عليه ساعة، ثم أفاق وأنشد:
بينما نحن بالملاكت بالقا ... ع سراعاً والعيس تهوى هويا
خطرت خطرة على القلب من ... ذكراك وهنا فما استطعت مضيا
قلت لبيك إذ دعاني لك الشو ... ق وللحاديين ردّ المطيا
فكررنا صدور عيس عتاق ... مضمرات طوين بالسير طيا
ذاك مما لقين من دلج السير ... وقول الحداة بالليل هيا
ثم قال للجمال ارجع، قال يا سبحان الله قد وصلت إلى الرصافة فاقسم لا يخطى إلا راجعاً، فلما عاد صادفه رجل من بني عمه فأخبره أن زوجته قد ماتت فلم يسمع منه إلا شهقة وفارقته نفسه.
فصل فيمن أناخ به الحب ثقله ... حتى أذهب عقله
وهؤلاء المعروفون عند أهل القوانين بعقلاء المجانين، وقد أفردوا كثيراً بالتأليف وجعلتهم من المجاهيل لاشتباههم بهم فيما قدمت من الشروط.
[فمنهم ما أخرجه مغلطاي عن الأديب]
قال عشق فتى عندنا جارية، فلم يزل يزداد ولعه بها حتى ذهب عقله، فكان آونة يسكن إلى الناس وأخرى يسكن الخربات ويتوحش، فمررت به يوماً في خربة يثير التراب على وجهه، فسألته عن حاله فأنشد:
يتمني حبها وأضناني ... وفي بحار الهموم ألقاني
كيف احتيالي وليس لي جلد ... في دفع ما بي وكشف أحزاني
يا رب اعطف بقلبها فعسى ... ترحم ضعفي وطول أشجاني
ففارقته ومضيت، فلما كان بعد مدة إذا أنا به يتمرغ على الأرض، فلما أبصرني قال يا عم أنا الليلة ميت، فدعوت له ومضيت، فلما أصبحت غدوت عليه فإذا هو قد قبض.
[ومبهم ما ذكره ابن المرزباني في الذهول والنحول عن سعيد بن ميسرة]
قال صحبنا شاب فكان لا يلهج إلا بهذه الأبيات:
الا إنما التقوى ركائب ادلجت ... وأدركت الساري بليل فلم ينم
وفي صحبة التقوى غناء وثروة ... وفي صحبة الأهواء ذل مع العدم
فلا تصحب الأهواء واهجر محبها ... وكن للتقي الفاتكن في الهوى علم
فسألناه لمن الأبيات قال لأخ لي كنت أحبه شديداً ولم أر أمزح منه مع التقوى، فسألته: الدنيا تلهج بهذه أم لأخرى، فقال لأمر لا أخبرك به حتى ينفذ من يدي.
ودام على ذلك حتى لزم الفراش فكانت الأطباء تختلف إليه ولم تؤثر معه شيئاً وكان يصرخ الليل كله فأجمعنا على أن ندعه وشأنه، فكان يجلس نهاره على الباب، وكلما مر به شخص يسأله إلى أين يذهب فيقول إلى موضع كذا فيقول لو مررت على من نريد لحملناك حاجة، فقال له صاحب له أنا مار حيث تريد فقال:
تقر السلام على الحبيب تحية ... وتبثه بتطاول الأسقام
وتفيده أنّ التقى ذم الهوى ... لما غدا مستغولاً بزمام
قال نعم، فلما كان بأسرع من أن رجع، فقال بلغتهم رسالتك فقالوا:
لئن كان تقوى الله ذمتك أن تنل ... أمور أنهى عنها بنهي حرام
فزرنا لنقضي من حديث لبانة ... ونشفي نفوساً آذنت بسقام
قال فوثب قائماً ثم أنشد يقول:
سأقبل من هذا وفيه لذي الهوى ... شفاء وقد يسلو الفتى جد وامق
إذا اليأس حل القلب لم ينفع البكى ... وهل ينفع المعشوق دمعة عاشق
قال ومضى، فقمت خلفه وحدي حتى أتى منزل رجل من أهل الفضل والرأي والدين، وكانت له ابنة من أجمل النساء، فوقف على الباب وقال:
فها أنا قد جئت أشكو صبابتي ... وأخبركم عما لقيت من الحب
وأظهر تسليماً عليكم لتعلموا ... بأنّ وصولي ثم ذا منكم حسبي
قال فلما فهمت القصة وخشيت أن يظهر أمره قلت له ما جلوسك على باب القوم ولم يأذنوا لك، قال بلى قلت كيف وهم يقولون: