وعن ابن عياش قال لقيت عجوزاً من بني عذرة فقلت لها هل تروي شيئاً عن جميل ومحبوبته قالت نعم كنت يوماً وبثينة قد انفردت تبرم غزلاً والعرب قد اعتزلت الطريق خوف المارة إلى الشام وإذا برجل قد أقبل إلينا فاستثبتناه فإذا هو جميل فقلت له قد عرضتنا ونفسك شراً فمن أين جئت، قال من هذه الهضبة ولي بها ثلاثة أنتظر الفرصة لاحدث بكم عهداً فإني ذاهب إلى مصر فحدثنا ساعة وهو لا يتماسك فجئته بقدح فيه تمر واقط فنال منه يسيراً ثم ودع ومضى فلم نلبث أن جاء أهل الحي ومنه:
أرى كل معشوقين غيري وغيرها ... يلدان في الدنيا ويغتبطان
وأمشي وتمشي في البلاد كأننا ... أسيران للأعداء مرتهنان
أصلي فأبكي في الصلاة لذكرها ... لي الويل مما يكتب الملكان
ضمنت لها أن لا أهيم بغيرها ... وقد وثقت مني بغير ضمان
ألا يا عباد الله قوموا لتسمعوا ... خصومة معشوقين يختصمان
وفي كل عام يستجدان مرة ... عتاباً وهجراً ثم يصطلحان
يعيشان في الدنيا غريبين أينما ... أقاما وفي الأعوام يلتقيان
وعن سهل الساعدي قال: قال لي رجل هل تعود جميلاً فإنه مريض، فدخلنا عليه فإذا هو يجود بنفسه، فنظر إلي وقال ما تقول في رجل لم يزن قط ولم يشرب خمراً ولم يسفك دماً ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله منذ خمسين سنة. قلت من هذا فإني أظنه ناج قال أنا قلت عجيب منك تشبب ببثينة هذه المدة وأنت كذلك. قال أنا في آخر يوم من الدنيا لأنالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها بريبة وأكثر ما كان مني أن أسند يدها إلى فؤادي أستريح ساعة ثم أغمي عليه فلما أفاق أنشد:
صرح النعي وما كني بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك دون كلّ خليل
ولما حضرته الوفاة قال من ينعاني إلى بثينة قال رجل أنا فأعطاه حلته فراح حتى جاء الحي فأنشد:
بكر النعي وما كني بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
بكر النعي بفارس ذي همة ... بطل إذا حمّ اللقاء مذيل
فسمعته بثينة فخرجت مكشوفة تقول:
وإن سلوي عن جميل لساعة ... من الدهر لا حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها
ثم قالت للناعي يا هذا إن كنت صادقاً فقد قتلتني وإن كنت كاذباً فقد فضحتني فقلت لها والله إني لصادق وأخرجت الحلة فلما رأتها صرخت وصكت وجهها وأقبل النساء يبكين معها حتى خرت مغشياً عليها، ثم أفاقت وأنشدت وإن سلوي البيتين فلم سمع منها غيرهما حتى قضت.
[أخبار كثير عزة]
هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الشهير بأبي جمعة قد أوصله الكلبي في جمهرة النسب إلى ماء السماء بن حارثة بن ثعلبة المشهور أحد أولاد الأزد ومن أجداده عمرو بن ربيعة الذي دعا العرب عن دين إبراهيم إلى عبادة الأصنام واقترح السوائب والبحيرة فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يجر قصبه في النار وهو من خزاعة سموا بذلك لانقطاعهم عن الأزد أيام سيل العرم وجاؤا إلى الشام وهو صاحب عز بنت جميل ابن حفص بن اياس بن عبد العزى يتصل نسبها إلى عبد مناف علقها جارية قد كعبت نهودها بدليل قوله:
نظرت إليها نظرة وهي عاتق ... على حين إن شبت وبان نهودها
نظرت إليها نظرة ما يسرني ... بها حمر انعام البلاد وسودها
وكان سبب دخول الهوى بينهما أن كثيراً مر بغنم له ترد الماء على نسوة من ضمرة بوادي الخبت فأرسلن له عزة بدريهمات تشتري بها كبشاً لهن منه فنظرها نظرة متأمل فداخله منها ما كان، فرد الدراهم وأعطاها الكبش، وقال إن رجعت أخذت حقي. فلما عاد سألته ذلك فقال لا أقتضي إلا من عزة فقلن له ليس فيها كفاءة فاختر إحدانا، فأبى وأنشد البيتين، فجعلن يبرزنها له كارهة ثم داخلها ما داخله وأنه خرج يوماً ومعه اداوة ماء فجفت من الحر ورفعت له نار فأمها وإذا بعجوز فناشدته من الرجل فقال صاحب عزه فقالت له أنت القائل: