ألا من لعين لا ترى قلل الحمى ... ولا جبل الآثال الا استهلت
ألا قاتل الله الحمى من محلة ... وقاتل دنيانا بها كيف ولت
غنينا زماناً باللوى ثم أصبحت ... براق الهوى من أهلها قد تخلت
فما وجد أعرابية قذفت بها صرو ... ف اللوى من حيث لم تك ضنت
تمنت أحاليب الرغاء وخيمة ... بنجد ولم يقدر لها ما تمنت
إذا ذكرت نجد وطيب ترابها ... وبرد الحصى من أرض نجد أرنت
ومنه:
أرى الدهر بالتفريق والبين مولعاً ... وللجمع ما بين المحبين آبيا
فأف عليه من زمان كأنني ... خلقت وإياه نطيل التعاديا
[أخبار كعب وصاحبته ميلاء]
هو أبو خثعم كعب بن مالك أو عبد الله أو خثعم بن لابي بن رباح بن ضمرة طائي من عرب الحجاز يعرف بالمخبل، وكان جواداً سخياً شجاعاً، مألوف الصورة.
وميلاء هي بنت لابي بن رباح أصغر أخواتها كانت أجمل نساء الحجاز وكان كعب قد خطب إلى عمه أخت ميلاء، وكانت تسمى أم عمرو فزوجه بها فشغف بها شديداً وألفها طويلاً وأنه دخل عليها يوماً فوجدها قد نضت ما عليها وهي عريانة فسرته حين نظر إليها، فقال أنشدك الله هل تعلمين امرأة أحسن منك فقالت نعم أختي ميلاء فقال ومن لي بأن أنظرها فأخبأته وأرسلت إليها فحضرت، فلما رآها وقعت من قلبه موقعاً أدى إلى زوال عقله من العشق فانطلق في طلبها فاستعرضها وشكا إليها ما لقي من حبها، فأعملته أنها أعظم من ذلك في حبه، وشعرت أختها فتبعتها فرأتهما يتشاكيان المحبة فمضت إلى اخوتها وكانوا سبعة فأخبرتهم بذلك، وقالت إما أن تزوجوا كعباً من ميلاء، أو تغيبوها عني.
فلما علم بمعرفة اخوتها به هرب إلى الشام فمكث بها أياماً، وأن شامياً خرج يريد الحج فضلت به الطريق فاسترشد امرأة وكانت بالتقدير المحتوم ميلاء وإلى جانبها أختها فأنشد الشامي متمثلاً:
أفي كل يوم أنت من بارح الهوى ... إلى الشمّ من أعلام ميلاء ناظر
بعمشاء من طول البكاء كأنما ... بها حرّ نار طرفها متحادر
تمنى المنى حتى إذا قلت المنى ... جرى واكف من دمعها متبادر
كما أرفض سلك يعد ما ضم ضمة ... بخيرط الفتيل اللؤلؤ المتناثر
قلت وهذا الشعر قاله كعب حين علق ميلاء قبل وقوعه إلى الشام والمصنف تبع الشيزري في أنه قاله بالشام وأصل الحال غلط الشيزري في قوله الشم فإنه قرأها إلى الشام بدليل أن الشامي لما أنشد الشعر سألته ممن الرجل قال من الشام قالت أو تعرف صاحب الشعر. قال هو أعرابي اسمه كعب أنه يحتمل إلى معرفتها من ذكر اسمها ويكون ما ذكر صحيحاً. ولما أخبرها باسم الأعرابي أقسما عليه أن لا يبرح حتى بنظره أخوتها فإنهم يكرمونه ثم سألاه هل تروي له غير ذلك، قال نعم وأنشد:
خليليّ قد رضت الأمور وقستها ... بنفسي وبالفتيان كل مكان
ولم أخف يوماً للرفيق ولم أجد ... خلياً ولاذا البث يستويان
من الناس إنسانان ديني عليهما ... مليان لولا الناس قد قفياني
منوعان ظلامان ما ينصفانني ... بدلهما والحسن قد خلباني
يطيلان حتى يعلم الناس أنني ... قضيت ولا والله ما قضياني
خليليّ أما أم عمرو فمنهما ... وأما عن الأخرى فلا تسلاني
بلينا بهجران ولم ير مثلنا ... من الناس إنسانان يهتجران
أشد مصافاة وأبعد عن قلى ... وأعصى لواش حين يكتنفان
يبين طرفانا الذي في نفوسنا ... إذا استعجمت بالمنطق الشفتان
فوالله ما أدري أكل ذوي هوى ... على شكلنا أم نحن مبتليان
فلا تعجبا مما بي اليوم من هوى ... فبي كل يوم مثل ما ترياني
خليليّ عن أيّ الذي كان بيننا ... من الوصل أو ماضي الهوى تسلاني
وكنا كريمي معشر حم بيننا ... هوى فحفظناه بحسن صيان
نذود النفوس الحائمات عن الهوى ... وهن بأعناق إليه ثواني