ابن الرومي
أعانقه والنفس بعد مشوقة ... إليه وهل يعد العناق تداني
وألثم فاه كي تزول حرارتي ... فيشتد ما ألقى من الهيماني
كان فؤادي ليس يشفي غليله ... تشفيه مما ترشف الشفتان
ولم يشف مقدار الذي بي من الجوى ... سوى أن ترى الروحان يمتزجان
خالد الكاتب
كأنني عانقت ريحانة ... تنفست في ليلها البارد
فلو ترانا في قميص الدجى ... حسبتنا في جسد واحد
نفطويه النحوي
ولما التقينا بعد بعد بمجلس ... نغازل فيه أعين النرجس الغض
جعلت اعتمادي ضمه وعناقه ... فلم نفترق حتى توهمته بعضي
أبو بكر الأربلي
هم الرقيب ليسعى في تفرقنا ... ليلاً وقد بات من أهواه معتنقي
عانقته فاتحدنا والرقيب أتى ... فلما أتانا ما رأى غير واحد
أبو الفضل
سقيا لعيش مضى والدهر يجمعنا ... ونحن نحكي عناقاً شكل تنوين
فصرت إذا علقت كفى حبائلكم ... بسهم هجرك تنوي ثم تنويني
ابن سنا الملك
وليلة بتنا بعد سكري وسكره ... نبذت وسادي ثم وسدته يدي
وبتنا كجسم واحد في عناقنا ... وكالحرف في لفظ الكلام المشدد
قيل اعترض هذا بكون العروضيين تعد الحرف المشدد بحرفين فلو قال في الخط لحسن مطلوبه. واجتمع ابن الجهم وابن عروس في سفينة فتذاكر الشعر فقال ابن الجهم أنا أشعر منك حيث أقول:
الأرب ليل ضمنا بعد هجعة ... وأدني فؤاداً من فؤاد معذب
وبتنا جميعاً لو تراق زجاجة ... من الخمر فيما بيننا لم تشرب
فقال أحسنت ولكني أشعر منك حيث أقول:
لا والمنازل من نجد وليلتنا ... بعيد إذ جسدانا بيننا جسد
كم رام فينا الكرى من لطف مسلكه ... نوماً فما انفك لا خد ولا عضد
بشار بن برد
ومرتجة الأعطاف مهضومة الحشا ... تمور بسحري عينها وتدور
إذا نظرت صبت عليك صبابة ... وكادت قلوب العاشقين تطير
خلوت بها لا يخلص الماء بيننا ... إلى الصبح دوني حاجب وستور
وكلام بشار وإن كان في الحقيقة أصلاً للبيتين إلا أن ابن الجهم تلطف حيث أبدل الماء بالخمر لأنه أشد نفوذاً وأما ابن عروس فلا ألطف منه إذ لا شيء أشد سرياناً من النوم وحاصله أنه يمكن الجمع بين أهل القناعة باليسير من المحبوب ومن لا يقف على غاية في المطلوب باختلاف الأمكنة وصفاء الأيام والخلو من نحو واش ونمام ومجالس الورد والنمام فإن من الحزم انتهاز الفرص ومن الحمق الوقوع في ضيق القفص ومن صفا له الزمان فجبن عن مطلوبه فهو زاهد في محبوبه ومن رأى العوائق دون مرامه فالحزم تقييد غرامه وقلت من الأول.
لقد صار يشفيني الهواء لمزجه ... بأنفاسها مع أن دائي من الهوى
ويفرحني ما جد في الصبح والمسا ... لأني وإياها بمدركة سوا
ومن الثاني
رب ليل ضممتها فيه حتى ... لو فرقنا كنا هيولي وصورة
مع أني سألتها القرب مني ... بخضوع وإن تمن بزوره
وهو معنى فوق ما قصد من لطف الخمر والكري إذ لا يتصور افتراق الهيولي والصورة بوجه وقد جعلت ذلك كالحال وقت الفرقة فلا أبلغ منه.
فصل في ذكر مكابدة الأمور الصعاب عند طلب رضا الأحباب وخوض الأهوال واستهلال قضاء الآجال فضلاً عن بذل الأموال ليحصل من محبوبه على مطلوبه ويرضى باليسير كما سلف ولو كان ذلك يفضي إلى التلف
وقد فتح للفريقين هذا المجال ونسج على هذا المنوال من شيد هذه الشريعة كلامه وصار بدر سمائها بل شمس آفاقها نظامه سيدي عمر بن الفارض نفعنا الله ببركاته وهدانا إلى إدراك دقائق نفحاته فقال:
وافس ببذل النفس فيها أخا الهوى ... فإن قبلتها منك يا حبذا البذل
ومن لم يجد في حب نعم بنفسه ... وإن جاد بالدنيا إليه انتهى البخل
فانظر كيف أضرب عن ذكر ما سوى النفس وأن عز وأمر ببذلها من بادىء الرأي فكم طوى في ذلك من المراتب وهذا في الحقيقة اجمال بالنسبة إلى قوله: