للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سأبكي عليه ما حييت بعبرة ... تجول على الخدين مني فتكثر

فلما طالت الأيام قالت من مات فقد فات، وأجابت الخاطب، فلما كانت الليلة التي زفت فيها جاءها في النوم فأنشد:

غدرت ولم ترعي لبعلك حرمة ... ولم تعرفي حقاً ولم تحفظي عهدا

ولم تصبري حولاً حفاظاً لصاحب ... حلفت له يوماً ولم تنجزي وعدا

غدرت به لما ثوى في ضريحه ... كذلك ينسى كل من سكن اللحدا

فانتبهت مرعوبة كأنما كان معها، فقالت النساء لها ما فقالت دهاك ما ترك غسان في الحياة ارباً ولا في السرور رغبة. أتاني في المنام فأنشدني هذه الأبيات ثم جعلت ترددها وتبكي فشاغلنها بالحديث، فما غفلن أخذت شفرة فذبحت نفسها فتعجبن منها وقد نقل هذا في مجلس هشام حتى تذاكروا غدر النساء فقضى منه عجباً.

[ومثل هذا ما حكاه عن موسى الهادي]

أنه كان مفتوناً بجارية من جواريه اسمها غادر فرؤي يوماً يبكي، فقيل علام تبكي يا أمير المؤمنين؟ فقال كأني بي وقد مت وأخذ أخي هرون الخلافة، فتزوج بغادر. فقيل له حاشاك من هذا الخاطر. فزاد في البكاء وبلغ هرون فحضر وحلف له بالطلاق أنه لا يتزوج بها. وحلفت هي أيضاً فلم يمض شهر حتى مات وأفضت الخلافة إلى الرشيد فكفر عنه وعنها، وتزوجها فلما كان ذات ليلة انتبهت من منامها مرعوبة وذكرت أنه أتاها فعاتبها وأنشدها:

أخلفت عهدي بعدما ... جاورت سكان المقابر

ونكحت غادرة أخي ... صدق الذي سماك غادر

لا يهنك الالف الجديد ... ولا تدر عنك الدوائر

ولحقت بي قبل الصباح ... وصرت حيث غدوت صائر

فقال لها الرشيد لا بأس عليك، إنما هو أضغاث أحلام، وجعل يغمزها وهي تضطرب في يده حتى ماتت.

تم طبع الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله الباب الثالث في كر عشاق الغلمان الخ

[الجزء الثاني]

بسم الله الرحمن الرحيم

[الباب الثالث]

[في ذكر عشاق الغلمان]

وأحوال من عدل إلى الذكور عن النسوان وتفصيل ما جرى عليهم من تصاريف الزمان

أعلم أن أصل هذا قد نشأ في قوم لوط زينه لهم الشيطان فأخرجهم به إلى العدوان.

وحكى بعضهم أن أصل ذلك من ياجوج ومأجوج ونقله بعض المفسرين في قوله عز وجل أن ياجوج وماجوج مفسدون في الأرض فيجب على كل ذي نفس شريفة وهمة منيفة الزجر والردع عن هذه الفعلة الخبيثة التي شجت الملائكة إلى الله منها وحسم المادة الموصلة إلى ذلك كالنظر، فلذلك حرمه النووي رحمه الله تعالى مطلقاً وقد ورد أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد وفيهم أمره فأجلسه وراء ظهره ونهى أن يحد الرجل النظر إلى وجه الأمرد وعن ابن المسيب إذا رأيتم الرجل يلح بالنظر إلى وجه الأمرد فاتهموه، وأخرج الخطيب عن أنس موقوفاً لا تجالسوا أولاد الملوك فإن الأنفس تشتاق إليهم ما لا تشتاق إلى الجواري العواتق. وحرض النخعي والثوري على عدم مجالستهم.

وعن الخدري قال رأيت إبليس في النوم، فقلت له تعال. فقال لا حاجة لي بمن رمى الدنيا وإن لي فيكم لطيفة فقلت وما هي؟ قال مجالسة الأحداث فأخذت العصا لأضربه قال أنا لا تخوفني العصا وإنما يخوفني نور القلب.

وعن الموصلي قال نهاني ثلاثون من الابدال عن صحبة الأحداث وعن بعضهم قال نظرت إلى شاب جميل، فقلت أيعذب الله هذه الصورة فقال لي أستاذي أورأيته سوف ترى غبها، فأنسيت القرآن بعد عشرين سنة والآثار في هذا المعنى كثيرة ولله در من قال في المتصفين بهذا الشأن من هذا الزمان:

فإن لم تكونوا قوم لوط حقيقة ... فما قوم لوط منكم ببعيد

وإنهم في الخسف ينتظرونكم ... على مورد من جهلكم وصديد

يقولون لا أهلاً ولا مرحباً بكم ... ألم يتقدّم ربكم بوعيد

فقالوا بلى لكنكم قد سننتم ... صراطاً لنا في الفسق غير حميد

أتينا به الذكران من عشقنا بهم ... فأوردنا ذا العشق شر ورود

فأنتم بتضعيف العذاب أحق من ... يتابعكم في ذاك غير رشيد

فقالوا وأنتم رسلكم أنذرتكم ... بما قد لقيناه بصدق ووعيد

<<  <   >  >>