للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فردّي مصاب القلب أنت سلبته ... ولا تتركيه ذاهل العقل مغرما

إلى الله أشكو أنها أجنبية ... وأني لها ما عشت بالود محرما

فرأيت من طرب القوم ما فارقوا به عقولهم، فأمسكت عنهم خشية أن يتلفوا ساعتئذ ثم غنيت:

هذا محبك مطوي على كمده ... وجدا مدامعه تجري على جسده

له يد تسأل الرحمن راحته ... مما به ويد أخرى على كبده

يا من رأى كلفاً في حبه دنفاً ... كانت منيته في عينه ويده

فقالت الجارية هذا والله الغناء لا ما نحن فيه وسكر القوم حتى غابوا، إلا المنزل لجودة شربه، فأمر بحملهم إلى منازلهم وخلاني، فسألني من أنا فأخذت أروي فأقسم علي إلا ما عرفته بنفسي، وقال قد ذهب أكثر عمري هدراً إذا لم أعرف مثلك.

فلما عرفته بنفسي وثب قائماً، وقال لا أقضي باقي ليلتي في جدمتك إلا قائماً، فأقسمت عليه أن أجلس، فجلس وأخذ يستخبرني عن سبب مجيئي، فأخبرته القصة حتى انتهيت إلى أنه لم يبق علي إلا المعصم، فقال تناله إن شاء الله تعالى.

وعرض علي جواريه فلم أر الغرض، فقال يا سيدي لم يبق عندي إلا أمي وأختي، ابدأ باختك فأتى بها فإذا هي الغرض، فقلت ها هي، فقال والله أقررت عيني، ثم دعا بالشهود من ليلته فعقد لي عليها وأدخلني بها، فلما أصبحنا حول معها متاعاً لا يوجد مثله إلا عندك يا أمير المؤمنين، وهذا ولدي فلان منها.

[القسم الخامس]

[في ذكر من وسموا بالفساق من العشاق]

وهؤلاء هم الذين وقعوا في المعاصي أو هموا بها فسموا الفساق لجلالة العشق وعظمته عند أهله، فإنهم يرون تصور السلو معصية بل تصور خطور غير المحبوب في الذهن كذلك ولا نعلم أحداً حقق هذا المناط للسالكين، وبينه حتى البيان للمتمسكين أجل من العارف الجامع لحقائق المعارف سيدي عمر بن الفارض أعاد الله علينا من مدده حيث يقول:

ولو خطرت لي في سواك إرادة ... على خاطري سهواً قضيت بردّتي

فإن الخطور مجرد جوار الميل على القوى من غير أن يتمسك منه بشيء، هذا عند العقلاء قسري لعدم احتياجه إلى مقدمات والارادة مجرد الميل والخاطر باب الحدس والسهو استيلاء الطبيعة الثانية على المزاج البشري، وهو صفة للخطور قسرية أيضاً، ومن ثم لم يحكم الشرع مع غاية شرفه واحتياطه في الاصلاح على الخارج به بشيء رحمة وتخفيفاً، فقد بان أن الأستاذ يقول أن شرح المحبة مبني على المراقبة المخالطة للقوى العقلية مخالطة نزل السهو فيها منزلة العمد فكأن المحبوب قو قوى المحب التي بها يعقل كما أشار إليه أيضاً في الدلالة على غاية المرتبة بقوله:

فلم تهوني ما لم تكن فيّ فانيا ... ولم تفن ما لم تجتلي فيك صورتي

وهذا القسم هو الباب السادس من الكتاب وهو أصناف.

الصنف الأول في ذكر من حمله هواه على أذية من يهواه وهؤلاء أم نساء أو رجال وكل من القسمين أما بالغ مناه أو مكفوف أذاه

فمن الأول ما حكى عن مرثد أنه شغف بصحبة عمرو بن قمئة حتى صار يأكل معه ومع زوجته، فعلقته المرأة فأرسلت إليه على حين عقله من مرثد تقول أن عمك يدعوك، فجاء فلم يجده فقامت إليه فراودته عن نفسه فأبى، فقالت لئن لم تفعل ما آمرك لأوذينك.

فقال إن الأذى أن أفعل ما تحبين، وخرج فأمرت بجفنة فوضعت على موضع قدمه وكان ملتصق الأصابع. فلما جاء مرثد أخبرته أن رجلاً من أقرب ما يكون إليك ساومني نفسي، فامتنعت فجهد في أن تخبره، فأبت وقالت أنا لا أصرح باسمه ولكن هذا قدمه فعرفه وهجره فأنشد في ذلك:

لعمرك ما نفسي بجدّ رشيدة ... تؤامرني شر الأصرم مرثدا

عظيم رماد القدر لا متعبس ... ولا مؤبس منها إذا هو أخمدا

فقد ظهرت منه بوائق جمة ... وأفرع من لومي مراراً وأصعدا

على غير ذنب أن أكون جنيته ... سوى قول باغ جاهد فتجهدا

وقيل أنه حلف ليضربنه بالسيف، فهرب إلى الحيرة وأرسل بهذين البيتين.

رمتني بنات الدهر من حيث لا أدري ... فما بال من يرمي وليس برامي

فلو أنها نبل إذ الا تقيتها ... ولكنما أرمي بغير سهام

<<  <   >  >>