خرج لحاجة فنزل على باهلة عند امرأة، فقدمت له ما يحتاج إليه فلما لم ير عندها أحد أسامها نفسها، فقالت على رسلك لأصلح من شأني وغابت، ثم جاءت وقد أخفت مدية فوثب ليعانقها فضربته بها في نحره فخر ميتاً، وسقطت حين رأت الدم.
وجاء بعض أهلها وهي على تلك الحالة، فأجلسها حتى سكن ما بها وحدثته القصة فشاعت حتى قال فيها شاعرهم قيل جعفر بن أبي علية وقيل صيفي بن سعيد الباهلي وقيل غيرهما هذه الأبيات:
لعمري لقد أخفت معاداة ضيفها ... وسوت عليه مهده ثم برت
فلما بغاها نفسها غضبت لها ... عروق نمت وسط الثرى فاستقرت
وشدت على ذي مدية الكف معصماً ... وضيئاً وعزت نفسها فاستمرت
فأمت بها في نحره وهو يبتغي النك ... اح ومرت في حشاه وجرت
فنح كان الغيل في جوف صدره ... وأدركها ضعف النساء فخرت
ويقرب منه ما حكى أن رجلاً أضاف بني هذيل، فحين خرج من البيت رأى جارية منهم فراودها عن نفسها فتعاسفا فأخذت حجراً فضربته به ففضت كبده، وبلغ عمر فقال هو قتيل لا يودى. وغزا رجل فخرج جاره فرأى في بيته مصباحاً وأنصت فسمع قائلاً يقول:
وأشعث غره الاسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويضحى ... على جرداء لاحقة الحزام
كان مواضع الربلات منها ... فئام ينتمين إلى فئام
فدخل فقتله، وكان في عهد عمر أيضاً. فلما أصبح أعلمه فنشد عمر عن سيرة الرجل فلم يقل إلا خيراً، فقال له أقتله. فقال قد فعلت فجزاه خيراً واقتدى به في عدم ايداء الفاسق عبد الملك بن مروان وقد حمل إليه رجل راود امرأة عن نفسها فأغلقت بينها وبينه، فأدخل رأسه فشدخته وقال لا بودي.
وأما مصعب بن الزبير فأخذ دبة رجل وجده مع زوجته فقتله.
[ومنهم ما حكى عن عبد الله بن سيرة]
أن امرأة مغيبة يعني غاب عنها زوجها أرسلت إليه، فلما جاء أخبرته أن رجلاً يسومها نفسها، فقال ابعثي إليه واختفى. لما جاء قام فقتله، وأمر الجارية فحفرت حفرة وألقاه فيها، وقتل الجارية وجعلها معه وأعطى المرأة سبعين ديناراً، وقال اشتري بها خادماً وقال: وكل حديث جاوز اثنين شائع وكان عبد الله هذا من أعظم الناس مروءة حتى قيل أن شامياً اسمه فيروز خرج إلى العرب ببيع العطر فوضع يده على عجيزة امرأة فقالت يا عبد الله بن سبرة وبلغه فخرج من أذربيجان في طلب العصار إلى الشام حتى قتله:
[ومنهم ما حكى عن جويرية بن أسماء عن عمه]
قال خرجنا نريد الحاج فبتنا ليلة وبالقرب منا امرأة، فلما أصبحنا إذا حية قد التفت على عنقها، فخفنا من ذلك فلم تزل إلى أن دخلنا الحرم فانسابت.
فلما قضينا المناسك سمعنا الغريض يقول للمرأة أي شقية أين حيتك؟ فقالت في النار. فقال ستعلمين من في النار، فلما أردنا الخروج عزمت على صديق لي وبينه وبين الغريض صداقة أن يمضي بنا إليه لنسمع من غنائه. فلما سرنا عنده أكرمنا وسأله صاحبي الغناء فغنى:
مرضت فلم تحفل عليّ جنوب ... وأدنيت والممشى إلى قريب
فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صوبنا صبوة سنتوب
واستعدناه الصوت فغنى قول المجنون عفا الله عن ليلى الأبيات السابقة، فتخيلنا أن الجبال ترقص طرباً، ثم استزدناه عند الوداع، فغنى أبيات أبي الأسود الدؤلي التي أوصى بها ابنته عند الزفاف:
خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في ثورتي حين أغصب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
فلما رجعنا إذا بالمرأة وقد جاءت الحية حيث انسابت فانطوت عليها، وإذا بالوادي كله حيات فأقبلن ينهشنها حتى ماتت. فسألت جاريتها فقالت بغت ثلاث مرات كل مرة تلد ولداً فتحرقه.
[القسم السادس]
[في ذكر من حل عقد المحبة وخالف سنن الأحبة]
وهو بالنسبة إلى من استدرك الغلط واستقال ما فرط وإلى من تمادى على نقض العهد واخلاف الوعد، ينحصر في صنفين أردفهما بثالث من هذا الكتاب، إذا لم يكن مناسباً للباب.