وللمعري في نصرة الأول
فظنّ بسائر الاخوان شراً ... ولا تأمن على سر فؤادا
وألطف منه قول أبي جعفر الشطرنجي
فلا تخبر بسرك بل أمته ... وصير من حشاك له حجابا
فما أودعت مثل النفس سراً ... ولا أغلقت مثل الصدر بابا
ولقد أحسن بعضهم وتلطف وأبدى ما هو أدق وألطف حيث قال:
ومستودعي سراً تقصيت سره ... فأودعته من مستفرّ الحشا قبرا
وما السر في قلبي كميت بحفرة ... لأني أرى المدفون ينتظر الحشرا
ولكنني كنت أخفيه حتى كأنه ... من الدهر يوماً ما أحطت به خبرا
ولبعضهم
يا ذا الذي أودعتني سره ... لا ترج أن تسمعه مني
لم أجره بعدك في خاطري ... كأنه ما مرّ في ذهني
فهذا وأمثاله من أكبر الدوال على أن المذهب الأول هو الصحيح المعتبر وما اتهم به بعض الشراح عارف الزمان ولسان الحضرة الالهية وموضع الأسرار الربانية سيدي عمر ابن الفارض من أنه نصر المذهب الثاني بقوله.
وليسوا بقومي ما استعابوا تهتكي ... فأبدوا قلي واستحسنوا فيك جفوتي
وأهلي في دين الهوى أهله وقد ... رضوا فيك عاري واستباحوا فضيحتي
فممنوع لأن التهتك الذي أراده هو الاشتهار بالعشق لا إذاعة الأسرار بدليل قوله رضوا فيك عاري يعني أن أهل الهوى عندهم هم الراضون بعشقه العادون وعاره في ذلك خصلة حميدة فأين هذا مما نحن فه وقد أسلفت في المقدمة أن دقائق هذا الاستاذ ليس في طوق البشر من حيث هو بشر الاحاطة بها فإذا استدلينا بشيء منه فهو استئناس لأهل الترسم في مشربهم وفيما ذكرت من قصة المنام كفاية للمتأمل وبالجملة فإفشاء السر بلاء عظيم ومذلة لا يرتضيها عاقل وأغرب بعضهم ففسر قول بعضهم وكل حديث جاوز اثنين شائع بأن المراد بالاثنين الشفتان وقلت من الأول.
لقد أودعتني سرها فكتمته ... ولا والهوى ما غير البعد خاطري
ولكن جوي الكتمان صعد مهجتي ... وقطرها دمعاً جرى من محاجري
فشف لطول السقم جسمي من الذي ... كتمت فأبدته هناك سرائري
فنم به الواشون بيني وبينها ... فصدّت وقالت لا وفاء لغادري
فقلت وقد ضاقت هناك مذاهبي ... ومن كان قد ماعا ذلي صار عاذري
فمن شافعي يوماً إليها ومالكي ... هواها وعن سرّي يحدث ظاهري
ومن الثالث
يا معشر العشاق أوصيكم ... بكتم أسرار الهوى والغرام
إلا مع المحبوب في خلوة ... فثم كتم السر عندي حرام
ومنه أيضاً
بوصلك والودّ الذي كان بيننا ... حلفت ولا والله ما أنا غادر
لأنت أعز الناس عندي وسرك ... بقلبي باق يوم تبلى السرائر
فإن لم يجد لي الدهر منك بخلوة ... ففي الحشر تشكوه إليك الضمائر
[فصل]
[في ذكر المغالطة والاستعطاف]
[واستدراك ما صدر عن المحبوب من الانحراف]
وهو عبارة عن احتيال بلطافة على المحبوب يبلغ من الحكمة غاية المطلوب وموضوعه عود الالفة بعد النفور ومادته قيسة شعرية غالبها الزور وغايته الوصول إلى المطلوب واستمالة قلب المحبوب وألطف ما قيل فيه لابن الأحنف.
كان لم يكن بيني وبينكم هوى ... ولم يك موصولاً بحبلكم حبلى
وإني لاستحي لكم من محدثي ... يحدّث عنكم بالملالة والمطل
وقال آخر:
أتنسب لي ذنباً ولم أك مذنباً ... وحملتني في الحب مالي أطيقه
وما طلبي للوصل حرص على البقاء ... ولكنه أجر إليك أسوقه
وقال ابن أبي حجلة:
لم أطلب الوصل من أجلي فديتك يا ... من زاد قثبي سواداً منه شامات
لكن خشيت بأن تبلى بحب رشا ... يقتص لي منك والدنيا مكافأة
وقال جميل:
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا ... سوى أن يقولوا أنني لك عاشق
نعم صدق الواشون أنت حبيبة ... إليّ وإن لم تصف منك الخلائق
وقال ابن سنا الملك: