للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا بد من ميتة في صرفها غير ... والدهر في صرفه حول وأطوار

يا صخر وراد ماء قد تبادره ... أهل الموارد ما في ورده عار

يمشي السبنتي إلى هيجاء معضلة ... له سلاحان أنياب وأظفار

وأن صخراً لمولانا وسيدنا ... وإن صخراً إذا يشتو لنحار

وأن صخر التأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار

لم تره جارة يمشي بساحتها ... لريبة حين يخلي بيته الجار

ولا تراه وما في البيت ياكله ... لكنه بارز بالصخر مهمار

طلق اليدين بفعل الخير ذو فخر ... ضخم الدسيعة بالخيرات امار

وقالت أيضاً:

ألا يا صخر إن أبكيت عيني ... فقد ضحكتني زمناً طويلا

بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أبدى العويلا

رفعت بك الخطوب وأنت حي ... فمن ذا يرفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

وأدركت الخنساء الاسلام، وحسن إسلامها، فقالت لها عائشة يوماً أتبكين صخراً وهو في النار، فقالت هو أشد لجزعي عليه وادعي للبكاء فعد من الأجوبة المسكتة.

[ومنهم هدية بن الخشرم]

وكان معروفاً بالشجاعة والنجدة والجلادة والصبر والمروءة، وله أخ اسمه حوط وأخت اسمها سلمى تزوج بها زيادة بن اليزيد الذبياني، وهو رئيس قومه فراهنه أخو هدبة يوماً على اطلاق جملين يوماً وليلة في القيظ وحملوا الماء، فأخذت أخت هدبة ماء زوجها إلى أخيها فقصرت لذلك ابل زيادة فسبها فغضب حوط فثار بينهما شر.

وعلم هدبة فبيت زيادة فقتله ورفع الأمر إلى سعيد بن العاص عامر معاوية على المدينة وقد هرب هدبة فحبس عمه، فجاء وسلم نفسه ومضى أخو زيادة فشكا إلى معاوية فأرسل إلى سعيد أن يقود هدبة إن قامت البينة، فكره الحكم وأرسلهم إلى معاوية فسال هدبة عن الخبر فقال تريده نثراً أو نظماً فقال نظماً فأنشد:

ألا يا قومي للنوائب والدهر ... للمرء يردي نفسه وهو لا يدري

وللأرض كم من صالح قد ترا ... كمت عليه فوارته بلماعة قفر

إلى أن ذكر القصة التي ذكرناها، وأنه قتله. فقال معاوية قد أقررت فهل للمقتول ولد قالوا نعم. قال ردوه حتى يبلغ فحبس ثلاث سنين. فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها أرسل إلى زوجته، وكانت من أجمل النساء وكان بها مغرماً، فحضرت إليه في طيب وثياب فاخرة، فحادثها ليلة، وراودها عن نفسها فأجابت فحين تمكن وسمعت الحديد اضطربت فتنحى عنها وأنشد:

أأدنيتني حتى إذا ما جعلتني ... لدى الخصر أو أدنى استقلك راجف

رأت ساعدي غول وتحت ثيابه ... جآجيء يدمي حزها والحراقف

وحين أخرج للقتل مر على زوجة مالك بن عوف، فقالت في سبيل الله شبابك وصبرك وشعرك فأنشد ارتجالاً:

تعجب حبي من أسير مكبل ... صليب العصا باق على الرسفان

فلا تعجبي مني حليلة مالك ... كذلك يأتي الدهر بالحدثان

ونظر إلى زوجته فجزع وأنشد:

أقلي عليّ اللوم يا أم بو زعا ... ولا تجزعي مما أصاب فاوجعا

ولا تنكحي إن فرق الدهر بيننا ... اغم القفا والوجه أليس بانزعا

كليلاً سوى ما كان من حد ضرسه ... لدى الزاد مبطان العشيات أروعا

ضروبا بلحييه على عظم زوره ... إذا الناس هشوا للفعال مقنعا

وتحلى بذي أكرومة وحمية ... وصبراً إذا ما الدهر عض فأسرعا

وكوني حبيباً أو لأروع جاهد ... إذا ضنّ أعشاش الرجال تبرعا

وجعل الناس يستخبرون خبره وهو يجيب كلاً عن سؤاله وينشد الأشعار وهم يتعجبون، فقال له عبد الرحمن بن حسان أتزوج هذه بعدك يريد زوجته فقال إن كنت بالشروط التي ذكرتها لها وأنشد أقلى على اللوم الأبيات ثم نظر إلى زوجة مالك وقد قالت له كيف تصبر عن هذه فأنشد:

وجدت بها ما لم تجد أم واحد ... ولا وجد حبي بابن أم كلاب

<<  <   >  >>