وأن ملكاً تجاوز الستين ولم يرزق ولداً وكان ذا ملك عظيم، ومال ورزق جسيم، فكان يتأسف على خروج ذلك منه وانتقاله عنه. فجمع أهل التنجيم والخطوط وأمرهم بالنظر في ذلك فرأوا أنه إن تزوج من الحبشة رزق ولداً يكون له الملك.
فأرسل فجيء له ببنت فاختاروا له طالعاً يبني بها فيه وواقعها، فحملت وجاءت بذكر صحيح سوى حسن الخلقة، فأولم الملك أربعين صباحاً ونشأ الولد فحفظ الأدب والحكمة، وأن أباه طلب تزوجيه ونادى بعرض البنات عليه، فوقع اختياره على واحدة ليست بالشريفة المناسبة للملك، فأرادوا تحويله عنها فأبى فزوجه بها على غضاضة في نفسه.
ودخل فوجدها ثيباً، فكتم أباه ذلك لشدة عشقه وشغفه بها، وأن أمه ودهاة النساء من خدمتها جعلن ينظرن في حب كل منهما لصاحبه فيجدنه أعظم حباً لها، فكن يخبرن الملك فيقول إن صدق الحدس فإنها ثيب ولا يستطيع أحد أن يكلمه في أمرها.
فلما أقضى الملك إليه بعد والده دخل يوماً فوجدها كالتي فرغت من الجماع وكان له مدة لم يتغشاها، وكان إذا جامعها تدوم حمرة وجهها مصفرة يوماً وهذه والتي تغيب حال الفعل تسمى الربوخ. فسألها عن العلة، فأجابت أنها تشكو صداعاً وكان عارفاً بالطب فلم يرض بذلك ولكن كره أن يغضبها، فأمسك وتكرر منه رؤيتها كذلك وكان قد برع في الدهاء فصنع قارورة طيب نفيسة وأتى بها إلى بيتها فوضعها في صندوق محرز في خزانة سره، وأخذ مفتاحها وجعل كلما جامعها أخرج من الطيب ودهن مذاكيره وسرته وأمرها فتدهن فرجها وأخبرها أن ذلك ذخيرة لم يظفر بها سواه وأنه يقوي الأعضاء ويعين على الفعل ويحفظ الصحة والصبا والقوة.
وخرج عنها فجاء صاحبها فكانت تطيبه من الطيب إلى أن علم ثبوت ذلك عندها فجاء بسم قاتل لوقته فأوهمها الأخذ من الدهن ووضع ذلك فيه وأعملها أنه خارج في شغل يقيم فيه سبعة أيام، وخرج بعسكره من البلد، ثم عاد من الغد على غفلة مستخفياً، فدخل عليها فوجدها والرجل فيهما رمق الحياة فرمى عنقهما وسأل عن الرجل فإذا هو جارها نشأ معها صغيراً، فعلم أنه الذي أزال بكارتها، ثم أقام مدة فكان يعاوده من حبها وهو على سرير ملكه ما يذهب عقله فيقوم إلى الخلوة ويذكر عشقها للسوقة عليه وإيثارها الأرذال فيسكن ما به ويعود فلم يزل أياماً على ذلك حتى غلب الحب على التآسي فمات.
[الصنف الرابع في ذكر من عوقب بالفسق ولم يشتهر بالعشق]
قد خلط المصنف هؤلاء بالعشاق وعقد للكل باب عقوبة الفساق، وأهل العشق الصحيح بريؤون من الاثم خارجون عن التسمية بهذا الاسم.
فمن أهل هذا الصنف ما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه آلى أن لا يهدر دم مسلم. فأتى يوماً بشاب أمرد مقتول، فعرف المكان الذي وجد فيه واستكتم من جاء به أمره وقال أرجو أن لا يفوتني، فلما كان بعد حول رأى طفلاً ملقى موضع الشاب فقال قد أدركت ما أطلب وأخذه فسلمه إلى من ترضعه وأجرى عليها ما تحتاج إليه، وقال لها إذا رأيت امرأة تقبله وتضمه فاعلميني بها.
فجاءت جارية يوماً إلى المرأة، فقالت إن سيدتي تطلب الغلام ساعة فمضت به إليها فرشفته وضمته ثم دفعته إلى المرأة. فجاءت إلى عمر فأعلمته بذلك فأخذ سيفه ومضى إلى الباب فإذا أبوها شيخ من الأنصار قد كبر فقال أين ابنتك فقال بالبيت فقال كيف سيرتها فقال على أحسن حال من طاعة الله ورسوله والقيام بحقي فقال مكانك حتى أدخل عليها وأعظها فقال افعل فاستأذن عليها فحين صار عندها قال أصدقيني ما فعلت وإلا رميت عنقك فقالت يا أمير المؤمنين إني والله محدثتك بما كان لا أكذبك شيئاً، اعلم أن عجوزاً كانت تدخل علي من الصغر وتخدمني إلى أن صرت كما ترى وأنا أظنها صالحة فقالت لي يوماً قد عزمت على مكة وعندي ابنتي ولا آمن أن أتركها في البيت فأريد أن أجعلها عندك حتى أعود فقلت كرامة فمضت وأحضرت شخصاً مؤزراً مبرقعاً. فلما كان الليل ونمت آمنة وثب على صدري فنال مني فعمدت إلى شفرة بالقرب مني، ففجرت بها بطنه وجعلناه حيث رأيت.
فبعد مدة رأيت أني حامل، فلما وضعت جعلته مكانه، فدعا لها وجزاها خيراً وأوصى أباها بها.
ومنهم أعرابي من أسد