وحكى عن أبي العيرانه، كان عنده حمار فمات فرآه في النوم ينشده شعراً يقول فيه أنه مات عاشقاً فسأله المتوكل ما الذي كان من شأنه، قل يا أمير المؤمنين كان أعقل من القضاة ليس له هفوة ولا زلة فاعتل على حين غفلة فمات فرأيته في النوم فقلت له ألم أنق لك الشعير وأبرد لك الماء فما سبب موتك فقال أتذكر إذ وقفت بي على الصيدلاني يعني العطار قلت نعم قال مرت إذ ذاك أتان فافتتنت بها ومت، فقلت وهل قلت في ذلك شيئاً قال نعم وأنشد:
هام قلبي بأتان ... عند باب الصيدلاني
تيمتني يوم رحنا ... بثناياها الحسان
وبخد ذي دلال ... مثل خد الشيقران
فيها مت ولو عشت ... إذا طال هواني
فقلت له يا أبا معاذ وما الشيقران فقال أنا مشغول بما أنا فيه وهذا كلام تعرفه الحمير فإذا رأيتم حماراً ومن كان أولاً فسألوه فضحك المتوكل حتى سقط وأمر له بعشرة آلاف درهم وتنسب القصة فيما حكاه صاحب نديم المسامرة إلى بشار فهذا ما أردنا تلخيصه من أمور الحيوانات.
الصنف الثالث في ذكر ما جرى من القوة العاشقية والمعشوقية بين الأنفس النباتية
نقل في لطائف الأسرار وبه جزمت الحكماء إن أصح النبات وأعدله وأكمله خلقاً جمع أمور تسعة الورق والعود والثمر والنوى والصمغ والدهن والليف والقشر والأصول، وقد كمل في النخل ذلك، فهذا أعدل النبات وفي الأخبار أنه من طينة آدم وورد أكرموا عماتكم النخل، وفي الصحيحين أتعرفون شجرة هي كالرجل المسلم الحديث، وفي الفلاحة النبطية أن النخلة تخاف وتفرح وتعشق نخلة أخرى، فقد صح أن النخلة إذا لم تحمل ضرب في أصلها بفاس، ويقول شخص آخر لأي شيء هذا فيقول الضارب دعني أقطعها فإنها لم تحمل فيقول دعها في ضماني العام فإن لم تحمل فاقطعها، فإنها تحمل وقد جرب ذلك.
وحكى في النفائس، قال زرع شخص أربع نخلات متقابلات فحسن ثمرهن سنين ثم أصيبت واحدة فيبست فلم تحمل التي في مقابلتها.
وحكى أيضاً أن شخصاً كان له نخل وكانت واحدة منهن تزهر وتسقط قبل الانعقاد وربما تثمر ويسقط قبل البلوغ فشكا ذلك إلى حاذق فجاء حتى نظرها فقال إنها عاشقة، ثم دعا برصاص فصنع شريطاً وربطه منها إلى نخلة أخرى هناك فحسن ثمرها تلك السنة، ودامت كذلك وإن صاحب البستان قطع الشريط لينظر فأسقطت الزهر فأعاده فصلحت.
وحكى بعض ذلك في الخريدة وأما ما بين الفلفل والكافور والتين والنفط والزنجبيل والازدارخت فأشهر من أن يحكى وغايه الأمر أن يدعى الخواص، فيقال إن شدة الائتلاف بين العاشق والمعشوق، من قبيل الخواص.
[الصنف الرابع فيما بث من الأسرار بين أصناف الأحجار]
اعتلاق المغناطيس والحديد مما لا يشك في وجوده، وهذا لكثرة وجود المغناطيس وإلا فسائر المتطرقات أحجار من الجمادات تجذبها المشاكلة بينهما في الزئبقية والكبريتية وهذا ظاهر التعليل.
وأغرب منه ما حكي في اختصار الكائنات للمعلم أن بالبحر دابة كالأرنب يتولد في رأسها حجر إذا أخذ وأشير به إلى اللحم أو الحيوان انجذب حتى يلصق بالحجر وفيه أيضاً أن شخصاً نزل بأرض اللؤلؤ مما يلي جزيرة رامهرام فوجد الشمس إذا أشرقت على أرضها ترتفع منها أشعة، ثم تتراقص أحجارها وتضطرب حتى تجتمع فإذا غربت الشمس افترقت الأحجار.
الصنف الخامس فيما بث من الأسرار الملكية بين الأجسام والأجرام الفلكية وهذا منتهى الكائنات وسر الموجودات ومن حيث بدىء الشيء عاد عند مفارقة الفساد