وإني لاستغشى وما بي نعسة ... لعل خيالاً منك يلقي خياليا
هي السحر إلا أن السحر رقية ... وإني لا ألقي لها الدهر راقيا
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى المطايانا بذكراك هاديا
ذكت نار شوقي في فؤادي فأصبحت ... لها وهج مستضرم في فؤاديا
ألا أيها الركب اليمانون عرّجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
أسائلكم هل سال نعمان بعدنا ... وحب إلينا بطن نعمان واديا
ألا يا حمامي بطن نعمان هجتما ... عليّ الهوى لما تغنيتما ليا
وأبكيتماني وسط صحبي ولم أكن ... أبالي دموع العين لو كنت خاليا
ويا أيها القمريتان تجاذبا ... بلحنيكما ثم اسجعا علانيا
فإن أنتما استطربتما أو أردتما ... لحاقاً بأطلال الغضى فاتبعانيا
ألا ليت شعري ما للعلى وما ليا ... وما للضبا من بعد شيب علانيا
ألا أيها الواشي بليلى ألا ترى ... إلى من تشها أو لمن أنت واشيا
لئن ظعن الأحباب يا أم مالك ... فما ظعن الحب الذي في فؤاديا
فيا رب إذ صيرت ليلى هي المنى ... فزنى بعينيها كما زنتها ليا
وإلا فغضا إلي وأهلها ... فإني بليلى قد لقيت الدواهيا
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا
خليليّ إن ضنوا بليلى فقرّبا ... إلى النعش والأكفان واستغفرا ليا
[أخبار عروة بن حزام وصاحبته عفرا]
هو عروة بن حزام بن مالك بن حزام بن ضبة بن عبد بن عدرة شاعر لبيب حاذق متمكن في العشق. قيل أنه أول عاشق مات بالهجر من المخضرمين أو من العذريين ولشدة مقاساته في العشق ضرب به المثل بين العرب والمولدين قال المجنون عجبت لعروة العذري البيت، وقال أبو عيينة:
فما وجد النهدي إذا مات حسرة ... عشية بانت من حبائله هند
ولا عروة العذري إذ طال وجده ... بعفراء حتى شف مهجته الوجد
كوجدي غداة البين عند التقائها ... وقد طار عنها بين أترابها البرد
وقال آخر:
وقبلك مات من وجد بهند ... أخو نهد وصاحبه جميل
وعروة والمرقش هام دهراً ... بأسماء فلم يغن العويل
قتيل الجريح من قبل الغواني ... فلا قود ولا يودي قتيل
وقال جرير:
هل أنت شافية قلباً يهيم بكم ... لم يلق عروة من عفراء ما وجدا
ما في فؤادي من داء يخامره ... إلا التي لو رآها راهب سجدا
إنّ الشفاء وإن ضفنت بنائله ... قرع البشام الذي تجلو به البردا
إن غير ذلك. وعفراء هي بنت هصر أخي حزام كلاهما ابنا مالك من بطن من العذريين، يقال له نهد قال في تسريح النواظر إن سبب عشقه لها، أن أباه حزاماً توفي ولعروة من العمر أربع سنين وكفله هصر أبو عفراء، فانتشئا جميعاً فكان يألفها وتألفه. فلما بلغ الحلم، سأل عروة عمه تزويجها فوعده ذلك ثم أخرجه إلى الشام بعير له. وجاء ابن أخ له يقال له اثالة بن سعيد بن مالك يريد الحاج فنزل بعمه هصر فبينما هو جالس يوماً تجاه البيت إذ خرجت عفراء حاسرة عن وجهها ومعصميها تحمل أدواة سمن وعليها ازار خز أخضر.
فلما رآها وقعت من قلبه بمكانة عظيمة فخطبها من عمه فزوجه بها. وإن عروة أقبل مع البعير وقد حمل أثالة عفراء على جمل أحمر فعرفها من البعد، وأخبر أصحابه، فلما التقيا وعرف الأمر بهت لا يحير جواباً حتى افترق القوم فأنشد:
وإني لتعروني لذكراك رعدة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
فما هو إلا أن رآها فجاءة ... فأبهت حتى ما يكاد يجيب
فقلت لعرّاف اليمامة داوني ... فإنك إن أبرأتني لطبيب
فما بي من حمى ولا مس جنة ... ولكنّ عمي الحميريّ كذوب