للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال لي أتعرف الشاب الذي مات يوم كذا. قلت نعم، قال قدم علينا الحجازي زوج ابنه عمه فأخبر أن المرأة من لدن حملها لم تنفك عن المرض، حتى قضيت يوم كذا فإذا هو اليوم الذي مات فيه الشاب.

[ومنهم ما حكاه الكاتب]

قال، كنا في منتزه وقد أقبل ابن عائشة يسوس غلاماً لا يستطيع أن يملك نفسه، فسألناه عن أمره فقال من العشق، فتذاكرنا أخبار العشاق فقلت ألا أحدثكم بأعجب من هذا، قالوا هات قلت أخبرني بعض العرب. قال مررنا بماء وعليه صبية يتغاطسون وقريب منهم شاب عليه أثر الجمال، إلا أنه كالمنتحل من علة، فسلمت عليه فقال مما الراكب قلت من الحمى، فقال من كم عهدك به قلت قريباً فتنفس الصعداء وأنشد:

سقى بلداً أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروي به ويشيم

وإن لم أكن من قاطنيه فإنه ... يحل به شخص عليّ كريم

ألا حبذا من ليس يعدل قربه ... لديّ وإن شط المزار نعيم

ومن لا منى فيه حبيب وصاح ... ت فردّ بغيظ صاحب وحميم

ثم أغشي عليه فصببا عليه الماء فأفاق ثم أنشد:

إذا الصب الغريت رأى خضوعي ... وأنفاسي تزين بالخشوع

ولي عين أضر بها التفاني ... إلى الأجزاع مطلقة الدموع

إلى الخلوات يأنس فيك قلبي ... كما أنس الغريب إلى الجميع

فقلت له إن كان لك حاجة فيها شفاء نفسك فمرني بها فإني مطيع فقال أعلم أنك محل ولكن لم تدرك مني إلا صبابة لا تتلافى ففارقته فبلغني أنه لم يبت تلك الليلة.

[ومنهم ما حكاه في منازل الأحباب]

قال، كان في بني عذرة فتى ظريف يهوى محادثة النساء، فعلق جارية فأضنته حتى لزم الوساد وسئلت في أمره فامتنعت حتى إذا بلغ الموت، جاءته فحين رآها أنشد:

أريتك إن مرّت عليك جنازتي ... تمر على أيدي طوال وشرّع

أما تتبعين النعش حتى تسلمي ... على رمس ميت في الحفيرة مودع

فحلفت أنها لم تعلم أنه بلغ به الحب إلى هذا الحال وأخذت تستعطفه، فتمثل بقول بشر بن حضرم الكلاعي:

أتت وحياض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل

ثم أغشي عليه وانكبت تقبله، فإذا هو ميت فلم تمكث بعده إلا قليلاً.

[ومنهم ما حكاه ابن الجوزي]

أن رجلاً علق جارية نصرانية وأخذ هواها منه حتى أزال عقله فحمل إلى البيمارستان فأقام به مدة، وكان له صديق يتعاهده فقال له يوماً وقد أشرف على التلف قد أيست من ملاقاة فلانة في الدنيا، وأخاف أن لا ألقاه في الآخرة إن مت مسلماً. ثم تنصر ومات فخرج من عنده فوجدها عليلة، وهي تقول قد أيست من فلان في الدنيا فأنا أسلم لألقاه في الآخرة، ثم أسلمت وماتت.

[ومنهم الحرث المشهور بابن الفرند من خزاعة]

وقال في الشامل أنه من قحطان نشأ وابنة عمه عفراء بنت الأحمر ممتزجين بالألفة إلى أن بلغا فتزوج بها فأقاما مدة ينمو الهوى بينهما إلى أن عزمت يوماً على أن تزور أباها فجهزها إليه فأقامت مدة وكل منهما يأبى أن يجيء بنفسه، وزادت الوحشة بينهما وحلف أبواهما على أن يأتي أحدهما الآخر مخافة أن تزري العرب به. فمرض الحرث فكتب إليها:

صبرت على كتمان حبك برهة ... ولي منك في الأحشاء أصدق شاهد

هو الموت إن لم تأتني منك رقعة ... تقوم لقلبي في مقام العوائد

فأجابته:

كفيت الذي تخشى وصرت إلى المنى ... ونلت الذي تهوى برغم الحواسد

ووالله لولا أن يقال تظنناً ... بي السوء ما جانبت فعل العوائد

فلما قرأ ما في الرقعة وانتشق ريحها وكانت أعطر زمانها غشي عليه فإذا هو ميت فقيل لها ما كان عليك لو أحييته بزورة، قالت خشيت أن يقال صبت إليه ولكني قاتلة نفسي عن قريب فلم يشعر بها إلا وهي ميتة.

[ومنهم]

[عياش الكناني]

قال هشام: خرجنا في حاجة وهو معنا فمررنا ببني حنيفة فرأى جارية منهم فوقعت من قلبه موقعاً عظيماً فتخلف عنا، وراسلها فأبت وكان لا يخطىء سهمه إذا رمى فسحب قوساً، وأقبل في الليل وهي نائمة بين أخواتها فأيقظها، فلما شعرت به قالت لئن لم تذهب لأوقظنهم فيقتلونك فحلف إن أعطته يدها يضعها على فؤاده تسكيناً لما به، لينصرف ففعلت فانصرف.

<<  <   >  >>