رأته طويل الساعدين شمردلا ... كما اشترطت من قوة وشباب
فمالت إلى شفرة جزار فجدعت بها أنفها وشفتيها، قال ابن عساكر وأذنيها وأقبلت عليه، فقالت أهذا حال من تتزوج قال لا الآن طاب الموت ثم التفت إلى أبويه فرآهما في أسوأ حال قد تهيآ للحزن فأنشدهما.
أبلياني اليوم صبراً منكما ... إن حزناً إن بدا بادىء شر
لا أراني اليوم إلا ميتاً ... إن بعد الموت دار المستقر
اصبر اليوم فإني صابر ... كل حي لقضاء وقدر
وأراد سعيد أن يفديه بمائة ناقة حمراء سليمة، فقال أخو زيادة لو ملت لي قبتك هذه مالاً ما فديته لقوله:
لنجدعن بأيدينا أنوفكم ... ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فسلمه إليه، فلما أراد قتله أرسل إلى عائشة لتستغفر له ثم صلى ركعتين وأقبل على الناس وقال لولا أن يقال جزع لأطلتهما.
قال السيوطي في شرح الشواهد ثم قال للقاتل أحد سيفك وثبت جنانك وباعد بين قدميك وأجد الضربة، ثم قال بلغني أن القتيل يعقل فإن كان كذلك فإني قابض رجلي وباسطهما ثلاثاً. فلما رمى عنقه فعل ذلك.
وفي شرح الشواهد أنه أول قتيل في الاسلام قوداً وخطبت بعد ذلك زوجته على ما بها من التشويه فتزوجت وتزينت ورؤيت ولها ولدان قد قاربا الترعرع.
[ومنهم]
[حمزة بن عبد الله بن الزبير]
تزوج بفاطمة بنت القاسم بن جعفر بن أبي طالب، وكانت ذات جمال ففتن بها، فلما حضرته الوفاة أظهر أنه لم يكن جازعاً على شيء غير تزويجها بعده بطلحة بن عمرو، فحلفت له بصدقة ما لها وعتق رقيقها إن تزوجت، فلما مات خطبها طلحة فأخبرته، فقال إن حنثت وفيت عنك بضعف ما عليك. فتزوجته فوفى لها فولدت له إبراهيم وكان أوجه الناس ورمله فزوجها بمائة ألف دينار فقيل له أنت أتجر الناس تزوجت فاطمة بأربعين ألف دينار وكفرت عنها بعشرين فربحت إبراهيم وأربعين ألفاً.
[ومنهم]
[الحسن بن الحسن]
خيره عمه الحسين بين إحدى بنتيه سكينة وفاطمة فاستحيا وكان يحب فاطمة لأنها كانت منقطعة القرين في الجمال. فقال الحسين رضي الله عنه قد اخترت لك فاطمة لأنها أشبه بأمي فزوجه بها.
فلما حضرته الوفاة جزع جزعاً شديداً فقيل علام هذا، وإنما تقدم على جدك وآبائك. فقال هو كذلك ولكني أجد كرباً غير الموت، ثم قال لبعض أصحابه كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان، وقد جاء في كبكبة يظهر جزعاً علي، وما هو إلا ليخطب فاطمة.
فلما سمعت حلفت أن لا تتزوجه فإن فعلت لزمها عتق ما تملك، فما كان إلا أن مات، فأقبل عبد الله كما قال، فرأى فاطمة تضرب وجهها فأرسل إليها أن أبقى عليك، فإن لنا فيك رأياً.
فلما خطبها ضمن لها التكفير بضعف ما عليها، وقيل أن أمها التي أجبرتها أن تتزوجه، بأن وقفت في الشمس وحلفت لا تدخل حتى تجيب.
[ومنهم]
[غسان بن جهضم]
وكان مفتوناً بابنة عمه أم عقبة لأنها كانت من أجمل النساء وأحياهن وأفضلهن خصالاً. حضرته الوفاة فجعل ينظر إليها ويبكي، ثم قال لها إني منشدك أبياتاً أسألك فيهن عمن تصنعين بعدي، وأعزم عليك أن تصدقيني. فقالت قل فوالله لا أكذبك فأنشد:
أخبري بالذي تريدين بعدي ... ما الذي تضمرين يا أم عقبه
تحفظيني من بعد موتي لما قد ... كان مني من حسن خلق وصحبه
أم تريدين ذا جمال ومال ... وأنا في التراب في سجن غربه
فأجابته:
قد سمعنا الذي تقول وما قد ... خفته يا خليل من أم عقبه
أنا من أحفظ النساء وارعاً ... هن ما قد أوليت من حسن صحبه
سوف أبكيك ما حييت بشجو ... ومراث أقولها وبندبه
فقال:
أنا والله واثق بك لكن ... ربما خفت من غدر النساء
بعد موت الأزواج يا خير من عو ... شر فارعي حقي بحسن وفاء
إنني قد رجوت أن تحفظي العهد ... فكوني إن مت عند رجائي
فلما مات خطبت من كل جانب فقالت:
سأحفظ غساناً على بعد داره ... وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشر
وإني لفمي شغل عن الناس كلهم ... فكفوا فما مثلي من الناس يغدر