ومنهم رجل من بني كندة. فحذ من بني عذرة أورده مجهولاً وكذا ابن أبي الأصبغ في الطبقات في ترجمة الحرث بن كلدة وفي النزهة قال لا نعلم اسمه وحكايته مشورة وهي أن أخاه استخلفه على بيته وخرج لغرض فصادف يوماً أن دخل وزوجة أخيه سافرة فرآها فلما علمت بذلك سترت وجهها بيديها فكان ما لقيه من رؤية معصميها أضعاف ما لقيه من وجهها فخرج وقد اشتعل الحب في قلبه فأقام أياماً يكابد العناء حتى لزم الوساد وجاء أخوه فأبصره وقد ذوت أعضاؤه وذهبت محاسنه وتغير جسمه فلم يترك عرافاً ولا طبيباً حتى دعاه له فلم ينجح شيئاً فوصف له الحرث بن كلدة، وكان أحذق أهل زمنه فلما رآه قال ليس به إلا العشق. فقالوا وما السبيل إلى معرفة ذلك قال تسقوه الخمر فعساه أن يصرح ففعلوا ثم غدا عليهم فقالوا له قد ذكر العشق ولكن لم يصرح باسم المحبوبة فقال زيدوه ففعلوا فصرح بريا زوجة أخيه فقال أخوه أشهدكم أنها طالق ثلاثاً لأني أعتاض عنها ولا أعتاض عن أخي فبشروه فقال هي علي كأمي إن تزوجتها، ومات بعد قليل. وقيل خرج هائماً ولم يدر أين مات، وأن أخاه حين فقده مات أسفاً ولما سقوه الخمر غنى أبياتاً حذفتها هنا وفي مختصر الطبقات لسخافتها فاختلف في أيهما أكرم.
ونظير ذلك في السماحة ما وقع للحكم بن المطلب المخزومي فإنه هوى جارية فاشتراها بمال عظيم وأراد الدخول بها فلبس أفخر ثيابه ومضى ليعلم أباه، وكان أبوه يحب أخاه عتبة أكثر منه فأقسم عليه أن يهب الجارية لأخيه ففعل فأبى أخوه فأعتقها حتى قيل أنه مات بحبها وله عطايا مشهورة قيل أن رجلاً حجازياً لزمه دين ثلاثة آلاف دينار فقصد خالد بن عبد الله القسري بهدايا فصادف الحكم وكان جابياً فلما وقف على قصته وهب له أربعة آلاف دينار وقال له وفر عليك المشاق.
[ومنهم غلام]
قال في النزهة هذلي واسمه راشد بن صفوان الهذلي قال الجلال السيوطي في شرح الشواهد عن ابن عساكر أن اسمه غاوي وكان له كلب اسمه راشد وكان له صنم يأتي إليه كل صبيحة فيسجد له ويذهب إلى الصيد فجاء يوماً فرأى الثعالب قد بالت على رأس الصنم فكسره وأنشد:
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه الخبر فأسلم فقال له ما اسمك؟ قال غاوي. قال وكلبك؟ قال راشد. قال لا أنت راشد وكلبك غاوي ثم ذهب وكان يعدو على بني عامر لالفة بينه وبين رجل منهم فلمح جارية منهم يقال لها هيفاء بنت عبد الله بن عامر وكانت من أجمل نساء العرب فغادره من حبها ما كاد أن يأتي على نفسه ثم أن الجارية تزوجت بشخص من جهينة فلما حملها إلى حيه وطال على الغلام الشوق وانقطاع الأخبار ذهب عقله فكان يسيح عارياً فصادف صياداً قد اصطاد خشفاً فوقف ينظر إليه ويبكي ثم أنشد:
وذكرني من لا أبوح بذكره ... محاجر ظبي في حبالة قانص
فقلت ودمع العين يجري بحرقة ... ولحظى إلى عينيه لحظة شاخص
ألا أيهذا القانص الظبي حله ... وإن كنت تاباه فعشر قلائص
خف الله لا تحبسه أن شبيهه ... حبيبي فقد أرعدت فيه فرائصي
فقال له الصياد دونك فحله فتقدم إليه وقبله وأطلقه واتبعه نظره حتى غاب ثم قال للصياد ائتني غداً في موضع كذا، وأقبل يسوق عشراً من الإبل فأبى الصياد قبولها فأقسم عليه إلا ما أخذها فقبلها وانصرف.
[ومنهم قيس بن منقذ بن مالك الكناني المشهور]
[ابن الحدادية]
كان يهو نعمى الخزاعية وكانت كنانة وخزاعية يتقاربون في المنزل لأن بينهم نسباً لم ترم فيه العصا فكان قيس يجلس إلى نعمى فيتحادث معها فدخل بينهم الهوى وقيل أنها رأته وقد ركب يوماً في ملعب وزينة ففخر على أكثر من حضر بالشجاعة فدعته للمحادثة وقد نزلت مع أتراب لها على منتزه فنزل وتحادثت معه ساعة فأقبل داع يسوق غنماً فاشترى قيس منه عنزة وذبحها للنساء فلما أكلن وقمن ترك الفاضل منها على الأرض ثم تمثل بهذا البيت ويقال أنه لحاتم الطائي:
إذا لم يكن للطير في زاد عزوة ... نصيب فليسوا في الورى بكرام