أعلم أن الأيام والأجرام والبروج والكواكب والأجسام والدوائر متطابقة التأليف متوافقة التكييف قد تربعت جهة وريحاً وأقطاباً وطبعاً، وتشعبت قوى وجوانب ونقصاً وزيادة إلى غير ذلك فمثالها في الانسان اثنا عشر مخرجاً عينان وأذنان وقم ومنخران وسرة وثديان وسبيلان قد قيست بالبروج ونفس بالشمس إذ لا تزيد ولا تنقص وعقل بالقمر في قبول الحالتين والخمس الحواس بالخمس البواقي وهكذا إلى درج في العروق ومفاصل بالجو زهرات والكلم خدمة بلسان الشرع ملائكة ولسان الحكمة نفوس وعقول مجردة، وفرع أهل الرياضة والروحانيات والارصاد على ذلك الاستخدام واستنزال الكواكب وتكليمها والطيران إليها وتحريك الجمادات إلى غير ذلك مما بسطناه في كتبنا الحكمية وجارينا فيه أهل كل فن على مقتضى قواعدهم مما لا يليق بهذا المحل وهل ذلك إلا قوة عاشقية فليعتبر أولوا الأبصار وليتذكر أولو الألباب فسبحان من أوجد ذلك واستغنى عنه واتر فيه ومنه لا تغيره الأزمان ولا تفنيه الأوقات ولا يعجزه اختلاف الأكوان.
[الباب الخامس]
[في تتمات يفتقر إليها الناظر في هذا الكتاب]
[ويحسن موقعها عند أولي الألباب]
فذلك هو المشروع الجامع لما ذكر في المصارع وينحصر في فصول مختلفة وإن كانت في الجنس مؤتلفه.
[فصل]
[في تحقيق معنى الحسن والجمال]
[وما استلطاف في ذلك من الأقوال]
الأصل في المحاسن والمطلوب عند العقلاء في كل المواطن إنما هو إصلاح السرائر وتهذيب البواطن لا الظواهر وإنا ضم إصلاح الظاهر إلى ما ذكر طلباً لتحصيل الكمال ودلالة في الأغلب على الاعتدال ويتم الأول بتحسين المقاصد وإصلاح العقائد وقصر القلب على عتبات الحق في ذلك المواقف مستمداً بالمراصد مستعداً للأوامر الالهية وتلقى ما في تلك الصحائف وذلك كما قال محقق المقول ومهذب الفروع والأصول وجامع المراتب الباطنة والظاهرة، وقطب دائرة الكائنات في الدنيا والآخرة.
إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وصلاحه استعداده لقبول ما يجب فعله وترك ما يجب تركه وذلك متعذر إلا بعد الأخذ بالحظ الأوفر من أمهات الأخلاق، وهي الحكمة والشجاعة والمروءة والعدالة، فإنها لهذا المورد كالاخلاط للمزاج افراطاً واعتدالاً، وخير الأمور سلوك الاعتدال للسلامة من الافراط والتفريط اللاحقين لكل من هذه كالتهور والجبن ولازم مما ذكرنا التخلق بالعفاف والزهد والصدق والورع والتسليم إلى غير ذلك وعد قوم العفة أصلاً بدل المروءة لأنها تندرج في العدالة وبعض المتصوفة جعلى التسليم أصلاً أيضاً، وبالجملة فهذه الخصال الداعية إلى حفظ ما به النظام من النفس والعقل والعرض والمال، فإن المتخلق بها محال أن يقنع منه قتل أو أخذ ما يزيل عقله أو زناً أو تناول غير ما هو له فهذه أصول السياسة ونظام المدنية وموضع بسطها الحكمة بل ملازمة الشريعة المطهرة فقد أغنت عنها فهذه الأخلاق التي لا أجدر من وصف المتخلق بها بالحسن والجمال.
وأما المحاسن الظاهرة اللائق ذكرها بهذا المحل وإليها إشارة المترسمين، وفيها غالب النثر والنظم. فالعبارات عنها كثيرة، والألفاظ فيها غزيرة، قال بعضه الحسن الصريح ما استنطق بالتسبيح أو هو تناسب الخاتمة واعتدال البشرة وصفاء المادة أو مركب من الوضاءة والتناسب والصباحة.
وقيل الحسن بياض اللون وسواد الشعر وكل منهما شطره، والصباحة كالملاحة، والبياض والجمال ما أخذ بالبصر أو هو السمن اشتقاقاً من اسم الشحم.
والصحيح أنه معنى لا يدرك ويختلف باختلاف الأشخاص ودقة الأنظار وصحة التأدي إلى الأفكار وهذا معنى قوله الحسن ما زين الزينة واستحسن دونها وإلى ذلك كله أشرت بقولي:
جميلة الأوصاف لطيفة منظر ... مليحة عطف طاب منها المغارس
يدق عن الألباب إدراك حسنها ... وجلت فزلت عن علاها المقايس
منعمة لم تلبس الوشي زينة ... ولكن أحبت أن تزان الملابس
غرست بلحظي الورد في وجناتها ... ومن دمي المسفوك تسقي الغرائس
وجئت لأجني ما غرست فصدني ... من الجفن أسياف هناك وحارس