للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو لم يكن الحسن في نفس الأمر كذلك، ولكل ذي نظر دقيق مالك ما اختلفت فيه العبارات ولا كثرت فيه الاستعارات، ولا بالغ كل في تحصيله بجده واعتقد التقصير عن حده، والخلاف إنما هو بالألفاظ والمعنى المطلوب واحد كما هو رأي أهل التحقيق من سائر الموارد، ومن ثم قال بعضهم:

عباراتنا شتى وحسنك واحد ... وكل إلى ذاك الجمال يشير

ولله در أستاذ عطر الوجود فيض وجوده، واستمدت الكائنات من بحر فضله وجوده حيث حقق هذا المعنى وسبكه في أحسن مبنى بقوله:

فكم بين حذاق الجدال تنازع ... وما بين عشاق الجمال تنازع

هذا هو الحسن العام وقد خصوا كل عضو بصفة، فقالوا الحلاوة في العين والملاحة في الفم والجمال في الأنف، والظرف في اللسان. وقالوا إذا حسنت العين فتمامها الدعج والفم فتمامه الفلج يعني في الثغر وطلاوة الجبين البلج، وبريق الوجنة الضرج.

وأحسن ما تكون المرأة إذا طال منها الأطراف والعنق والشعر والقامة وقصر منها العين واللسان واليد والرجل، والمراد بالقصر القصر المعنوي كعدم الطموح بالعين وأخذ شيء فوق الحاجة والخروج من بيتها وأبيض منها اللون والفرق والثغر وبياض العين، والمراد بالثغر الاسنان، أما اللثة فقد مدحت العرب سوادها، وإلى ذلك أشار طرفة بقوله:

سقته أيات الشمس إلا لثاته ... أسف ولم تكدم عليه باثمد

واسود منها الهدب والعين والحاجب والشعر، واحمر منها اللسان والشفة مع اللعس يعني يسير السواد والخد وتشريب البياض بيسيرها، ودق منها الحاجب والأنف والسنان والخصر، وغلظ منها المعصم والعجيزة والفرج والساق، واتسع منها الجبين والجبهة والعين والصدر وضاق منها المنخر والاذن والفم والفرج، فهذه أوصاف بها جماع الحسن إذ كل ما خرج عن ذلك كجعودة الشعر واستدارة الوجه ونعومة البدن راجع إليها، وإنما العبارات الكثيرة تفنن في الأوصاف وأهل الفراسة تجعل الجمال الظاهر دليلاً على اعتدال المزاج.

وقال بعض الحكماء من نعم الله على العبد تحسين خلقه، وخلقه واسمه. قيل وصوته. حكى بعض المفسرين في قوله تعالى يزيد في الخلق ما يشاء يعني حسن الصوت.

وقال سقراط إذا حسن الله وجهك فلا تصف إليه قبيح المعاصي أو قبحه فلا تجمع بين قبيحين.

وقال عليه الصلاة والسلام إن الله جميل يحب الجمال وكان يختار لحاجته صبيح الوجه حسن الاسم طلباً لاجتلاب القلوب ومن ثم كانت الأنبياء عليهم السلام أكمل الناس لأن غاية بعثتهم الاتباع وعدم النفور فيجب انتقاء موجبهما فيهم. وأوتي يوسف شطر الحسن، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم محاسن الأخلاق والشيم وهذا هو المطلب الذي تكل عنه البصائر ويقصر عنه كل ذي حد جائر وإذا لم يتفق للعبد حسن السيرة والخلقة فالأولى الأول فإنه من مطالب الحكمة التي غايتها السعادة وهي من الاعراض اللازمة، والثاني من مطالب الشهوة وقد توقع في المحنة ولا بد وأن تفارق.

تنبيه قد وقع لهم تشبيه بعض الأعضاء بالحروف كالحاجب بالنون والعين بالعين والصدغ بالواو والفم بالصاد والميم والثنايا بالسين والطرة بالشين والقامة بالألف وربما شبهوا العين بالصاد أيضاً وبالفواكه كالخدود بالتفاح والشفة بالعناب والثدي بالرمان وبالمشومات كالوجنة بالورد والعين بالنرجس والعذار بالآس وبالمعادن كالشفة بالعقيق والاسنان باللؤلؤ، وقد وقع تشبيه الشفة بالمرجان أيضاً وبأشياء مختلفة كالوجه بالبدر والفرق بالصبح والشعر بالليل ومرسله بالحيه والصدع بالعقرب والوجنة بالماء والنار والرق بالخمر والثدي والسرة بحق العاج إلى غير ذلك.

وللشعراء في ذلك على اختلاف مراداتهم وتخيلهم المقدمات الشعرية كلام كثير فمن أبدع ما رأيت في التشبيه بالحروف وبعض الأشياء كلام الأديب الحاذق علاء الدين الشاهيني من قصيدة طويلة كلها محاسن أولها:

فمّ العذار بعارضيه وسللا ... وتضمنت تلك المراشف سلسلا

ومنها وقد حذف أداة التشبيه قصد المبالغة وهو من أساليبهم المشهورة قوله:

صبحا مع الجوزاء لاح لناظري ... متبلجاً فأزاح ليلاً اليلا

من لي بغصن نقا تبدي فوقه ... قمر تغشى جنح ليل فانجلى

ومنها:

كتب الجمال على صحيفة خده ... بيراع معناه البهيج ومثلا

<<  <   >  >>