ولبست فيه أجل ثو ... ب للملابس يدّخر
وسهرت في طبخ الحبو ... ب من العشاء إلى السحر
وغدوت مكتحلاً أصا ... فح من لقيت من البشر
ووقفت في وسط الطر ... يق أقص شارب من عبر
وأكلت جرجير البقو ... ل بلحم جونيّ الجفر
وجعلتها خير المآ ... كل والفواكه والخضر
وغسلت رجلي كله ... ومسحت خفي في السفر
وأمين أجهر في الصلا ... ة كمن بها قبلي جهر
وأسنّ تسنيم القبو ... ر لكل قبر محتفر
وإذا جرى ذكر الغدير ... أقول ما صح الخبر
ولبست فيه من الملا ... بس ما اضمحل وما اندثر
وسكنت جلق واقتديت ... بهم وإن كانوا بقر
وأقول مثل مقالهم ... بالفاشريا قد فشر
مصطيحتي مكسورة ... وفطيرتي فيها قصر
بقر ترى برئيسهم ... طيش الظليم إذا نفر
وخفيفهم مستثقل ... وصواب قولهم هذر
وطباعهم كجبالهم ... خبثت وقدت من حجر
ما يدرك التشبيب تغر ... يد البلابل في السحر
وأقول في يوم تحا ... ر له البصيرة والبصر
والصحف ينشر طيها ... والنار ترمي بالشرر
هذا الشريف أضلني ... بعد الهداية والنظر
ما لي مضل في الورى ... إلا الشريف أبو مضر
فيقال خذ بيد الشر ... يف فمستقرّ كما سقر
لواحة تسطو فما ... تبقي عليه ولا تذر
والله يغفر للمسيء ... إذا تنصل واعتذر
فاخش الاله بسوء فعلك ... واحتذر كل الحذر
وإليكها بدوية ... رقت لرقتها الحضر
شامية لو شامها ... قس الفصاحة لافتخر
ودرى وأيقن أنني ... بحر وألفاظي درر
حبرتها فغدت كزهر ... الروض باكره المطر
وبديعة كبديعة ... عذراء ترفل في الحبر
وإلى الشريف بعثتها ... لما قراها وانبهر
ردّ الغلام وما استمر ... على الجحود ولا أصر
وأثابني وجزيته ... شكراً وقال لقد صبر
فلما وصلت القصيدة إلى الشريف ضحك وقال قد أبطأنا عليه فهو معذور وجهز الملوك مع هدايا حسنة فمدحه مهذب الدين فقال:
إلى المرتضى حثّ المطيّ فإنه ... إمام على كل البرية قد سما
ترى الناس أرضاً في الفضائل عنده ... ونجل الزكيّ الهاشمي هو السما
وذكر ابن حجة أن مهذب الدين حين هادى الشريف كان ببغداد قوله وأقول مثل مقالهم يفسره ما بعده من الكلمات المهملة التي تستعملها أهل دمشق في الخلاعة المصطيحة خشبة في الأصل تجعل تحت دود القز، وأهل دمشق يسمون الصولجان المنقوش مصطيحة ويكون معهم في المواسم وقد تظرف في المبالغة والمجون والخلاعة حيث اللفظ فنسب القصر إلى الفطيرة والكسر إلى المصطيحة والمستعمل العكس فإنهم يضعون الصوالج قائمة في لعبة، فمن جاء صولجانه قصيراً أخرج من اللعبة فيقول مصطيحتي قصيرة وكذا في لعب الفطير يرد من فطيرته مكسورة وقوله وإلى الشريف بعثتها إلى آخر القصيدة قد يتوهم أنه ملحق بعد رد المملوك وليس كذلك وإنما قاله تفاؤلاً وحسن ظن بالشريف واعتماداً على شهامته وهذا من مكر مهذب الدين لعلمه بسجايا الشريف.
[القسم الرابع]
[في ذكر من منعه الزهد والعبادة أن يقضي من محبوبه مراده]
قد رأينا أن نجعل هذا القسم كالاستغفار بعد الذنوب، والكفارة لمن عزم أن يتوب لاشتماله على ذكر أقوام عصمهم الله من الوقوع في الخطأ وأسبل عليهم الغطا، وهو نوعان: