للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما لكم فضل علينا فكلنا ... نذوق عذاب الهون غير مزيد

كما كلنا قد ذاق لذة وصلهم ... ويجمعنا في النار غير بعيد

وقد انتظم شمل هذا الباب بما يتبعه من الأحكام منقسماً في ثلاثة أقسام.

[القسم الأول]

[فيمن استلب الهوى والعشق نفسه حتى أسلمه رمسه]

وهو نوعان الأول فيمن عرف اسمه، واشتهر في العشاق رسمه.

[أخبار محمد بن داود وصاحبه محمد الصيدلاني]

هو أبو بكر محمد بن داود بن علي المعروف بالفقيه الأصفهاني، كان لبيباً حاذقاً وفقيهاً شاعراً، وله في فقه الظاهرية والأحاديث والتواريخ اليد الطولى.

قال الخطيب أنه كان ملازماً للهو ومتعلقاته منذ دخل المكتب، وأنه شرع في كتاب جمع فيه ظرائف العشاق ولطائفهم وسماه كتاب الزهره وساير به عمره وصاحبه.

هذا هو محمد بن جامع الصيدلاني كان يبيع العطر ببغداد، وكان من أجمل أهل زمنه فعلقه محمد بن داود فكان له ألوفاً وعليه عطوفاً وبه رؤوفاً، واشتهر أمرهما فلم ينكراه واتضح فلم يخفياه. وقيل أنه لم يعمل الكتاب المذكور إلا بسبب عشق هذا، وأن إليه الاشارة في أول الكتاب المذكور بقوله وننكر من تغير الزمان وأنت أحد مغيريه ومن جفاء الاخوان وأنت المقدم فيه، ومن عجب ما يأتي الزمان ظالم يتظلم، وغابن يتندم ومطاع يستظهر وغالب يستنصر، ومن أدلة عطفه عليه أنه خرج من الحمام يوماً فنظر في المرآة فأعجبه وجهه فبرقعه، وأتى ابن داود فلما رآه غشي عليه، فقال له لا بأس عليك إنني لم أبرقع وجهي لسوء أصابه، ولكن رأيته غب حمام فأعجبني فأحببت أن لا أمتع به أحداً قبلك فغداه وسر بذلك، قالوا ولم يعلم فيما سلف معشوق ينف على عاشق سوى ابن جامع، ومن لطف ابن داود ورقته أنه كان يدخل الجامع من باب الوراقين فهجره أياماً فسئل في ذلك، فقال دخلت يوماً فرأيت متحابين يتحادثان فتفرقا مذ رأياني فآليت أن لا أدخل مكاناً فرقت فيه بين محبين.

وكان يجتمع مع ابن شريح الشافعي في مجلس الوزير بن عيسى فسبقه ابن داود يوماً فسأله حدث من الشافعية عن العود الموجب لكفارة في الظهار فقال هو إعادة القول ثانياً فطالبه بالدليل ودخل ابن شريح، فحين وقف على القصة قال لأبي بكر قول من هذا من المسلمين غيركم. فقال له وقد استشاط غضبه غاية أمرنا أن نعد قول من خالفنا خلافاً، فغضب ابن شريح وقال له أنت أعزك الله بكتاب الزهره أمس من غيره فقال أبكتاب الزهرة تعيرني والله لا تصلح للنظر فيه ألم أقل فيه:

أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال المحرّما

وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... على جامد الصلد الأصم تهدّما

ويظهر سري عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاس الطرف عنه تكلما

رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... وما أن أرى حباً صحيحاً مسلما

فقال له ابن شريح بم تفتخر علي ولو شئت لقلت:

ومسامر بالشهد من نغماته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته

صبابه وبحسنه وحديثه ... وأنزه اللحظات في وجناته

حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولي بخاتم ربه وبراته

فقال ابن داود ليحفظ مولانا الوزير قوله حتى يقيم بينة بالبراءة، فقال يلزمني في ذلك ما يلزمك في قولك أنزه في روض المحاسن فقال الوزير لقد حويتما ظرفاً وعلماً. وقيل كانت المناظرة في مسئلة في الايلاء وأن ابن شريح قال أنت بقولك من كثرت لحظاته دامت حسراته أحذق ومن لطف ابن داود أنه سئل يوماً:

يا ابن داود يا فقيه العراق ... أفتنا في فواتك الأحداق

هل عليها القصاص في القتل يوماً ... أم مباح لها دم العشاق

فأجاب:

عندي جواب مسائل العشاق ... فاسمعه من قلق الحشى مشتاق

لما سألت عن الهوى أهل الهوى ... أجريت دمعاً لم يكن بالراقي

أخطأت في نفس السؤال وإن تصب ... بك في الهوى شفقاً من الاشفاق

لو أن معشوقاً يعذب عاشقاً ... كان المعذب أنعم العشاق

<<  <   >  >>