فبدا بنوني حاجبيه معرفاً ... من فوق صادي مقلتيه واقفلا
ثم استمد فمد أسفل صدعه ... ألفاً ألفت به العذاب الاطولا
فأعجب له إذ هم ينقط نقطة ... من فوق حاجبه فجاءت أسفلا
فتحققت في حاء حمرة خده ... خالا فعم هواه قلبي المبتلى
قسماً بفاء فتور جيم جفونه ... لأخالفن على هواه العذلا
وللشعراء من الأسلوب المذكور وقد جمع الحيوان والحروف بقوله:
أرسل فرعاً ولوى هاجري ... صدغاً فأعيا بهما واصفه
فخلت ذا من خلفه حية ... تسعى وهذا عقرباً واقفه
ذى ألف ليست بوصل وذى ... واو ولكن ليست العاطفة
وقال آخر:
لا تقولي لا فمكتوب على ... وجهك المشرق بالنور نعم
بحروف خلقت من قدرة ... ما جرى قط عليها من قلم
نوتها الحاجب والعين بها ... طرفك الفتان ثم الميم فم
نكتة.
اعلم أن الأساليب في هذا الباب دائرة التشبيه المجرد وبين جعل الحرف ونحوها من المشبه في العادة مشبهاً ومقابله في المحبوب مشبهاً به وفي كل ذلك أما أن تبقى الاداة أو تحذف وفي كل أما أن يرشح المعنى بأوصاف تزيده حسناً أولاً وأرفع الكل جعل الممدوح مسبهاً به محذوف الاداة مرشحاً بلطائف الأوصاف وقل سالكه وعكسه معلوم ولي من الفن الثاني.
بروحي أقي من خلتها حين أقبلت ... على أثر حزن تنثر الدمع في الخد
قضينا من الكافور يمطر لؤلؤاً ... من النرجس الوضاح في فرش الورد
ومنه وقد زدته على ما يلزمه التحسين الرد على أهل الأسلوب الأول.
شمس الضحى كجبينك الوضاح ... أف لمن جعلوه كالمصباح
يا قدها ما الغصن لولا الميل مع ... داعي الهوى كالغصن بالأرياح
أنا فيك سكران الفؤاد معذب ... أبداً وإن أظهرت فعل الصاحي
فدع الملام وعذل من لم يستمع ... قول النصيح وخلني يا صاح
ومما لم يعرج فيه على ذكر تشبيه بل أشعر فيه باجتباح المشبه به في العادة إلى المشبه ما قلت:
يهناك يا قلب من زارتك في السحر ... ولم تحف ثم من واش ولا ضرر
حسناء لو لم تعاين نور طلعتها ... شمس الضحى ما بدت يوماً على بشر
ووجهها لو رآه البدر واحتجبت ... عنه ذكا لم تخف نقصاً على القمر
[فصل]
[في خفقان القلب والتلوين عند اجتماع المحبين]
أعلم أن مدار تلون البدن أما على الخلط أو شدة الحرارة أو ما تركب منهما والأول يلزم حالة واحدة أما البياض في البلغم أو الحمرة في الدم أو الصفرة في الصفراء أو السواد في السواد وما تركب بحسبه مع مراعاة الطواريء كقرب الشمس أو جبل أو سد جهة وهذا المبحث هو المعروف عند الأطباء بالألوان وعند العامة بالسحنة وموضع تحقيقه الطب والثاني يلزم السمرة وإن أغلب البلغم وأما الثالث فهو الذي تناط به أمثال هذه الأحكام وحاصل القول فيه أن الجلد شفاف يحكى ما تحته وأن الباعث إليه الاخلاط هو الحرارة فهي كالنار إن اشتدت صعدت ما لاقته وموضعها القلب ومحركاتها مختلفة ما بين غضب وحياء وقهر وغيرها أما إلى داخل دفعة أو تدريجياً أو إلى خارج كذلك أو إليهما وموضع بسطه الحكمة والذي يخصنا من ذلك هنا أن نقول أن استيلاء سلطان المحبة والعشق من المعشوق على العاشق أعظم استيلاء من سلطان القهر والعظمة والناموس السلطاني حتى قال بعض الحكماء لكل مرتبة من مراتب المحبة حد إلا محبة العشق فلا حد لها وقال بعضهم إن تعلق روح العاشق ببدنه كتعلق النار بالشمعة إلا أنه لا يطفئها كل هواء إذا تقرر هذا وجمع إلى ما قررناه من مراتب تحريك الحرارة ظهر علة اصفرار لون العاشق وارتعاد مفاصله وخفقان قلبه لأن الاستبشار بالاجتماع الموجب للفرح المنتج لحركة الحرارة إلى خارج لتؤثر الحمرة وصفاء اللون يعارضه لشدة الشفقة الخوف من نحو واش وسرعة تفريق واليأس الموجب لاخماد الحرارة أو جذبها إلى داخل المنتج لصفرة اللون أو الموت فجأة ومن ثم إذا أمن من ذلك لم يقع تغير كما قيل.