فلا تحسبن كل اجتماع مغيراً ... فإن اجتماعي بالأمان أماني
وأما حمرة المعشوق فهي إما حياء وإما خجل وكل منهما باعث للحرارة إلى خارج ونتيجته احمرار الألوان وصفاؤها فأفضل الألوان الأحمر الصافي المشرق مطلقاً حتى في الثياب كالحلل والمشروب والمشموم كالورد والشقيق والحيوان كالخيل والمعادن كالذهب والياقوت إلى غير ذلك ومنه أهلك الرجال الأحمر أن يعني الخمر واللحم والنساء والاحامر الذهب والزعفران والخمر واللحم ولبعض الشعراء.
إن الأحامرة الثلاثة ضيعت ... مالي وكنت بهن قدماً مولعا
الخمر واللحم السمين كذا الطلا ... بالزعفران فلا أزال مروّعا
وقال المتنبي:
من للجآذر في زيّ الأعاريب ... حمر الحلى والمطايا والجلابيب
وأحب ما يكون إليهم منه ما كان في الوجنات والشفاه قال أبو نواس.
يا قمر أبصرت في مأتم ... تندب شجواً بين أتراب
تبكي فتذري الدر من نرجس ... وتلطم الورد بعناب
وأما وصفهم الموت بالاحمرار والدمع الناشيء عن شدة الحرقة بالحمرة فليس طعناً فيهما بل مدح لأنهم أرادوا أنهما من المطالب التي لا تنال إلا بالمشاق والصعوبة ومن ألطف ما وصف به الدمع قول عماد الدين.
أرى العقد في ثغره محكماً ... يرينا الصحاح من الجوهر
وتكملة الحسن إيضاحها ... رويناه عن وجهك الأزهر
ومنثور دمعي غدا أحمرا ... على آس عارضك الأخضر
وبعت رشادي بغيّ الهوى ... لأجلك يا طلعة المشتري
ومن ألطف ما يعجبني في وصف المعشوق بالاحمرار والعاشق بالاصفرار قول ابن أبي الحديد من قصيدته التي أولها.
الصبر إلا عن فراقك يجمل ... والصعب إلا من ملالك يسهل
يصفر وجهي حين أنظر حسنه ... خوفاً ويدركه الحياء فيخجل
فكان ما بخدوده من خمرة ... ظلت إليها من دمي تنتقل
وقال بعض المتأذبين لم يقع في هذا المعنى ألطف من البيتين المنسوبين إلى أبليس وهما:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... بدت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكمت وجنة المعشوق صرفاً فسلطو ... اعليها مزاجاً فاكتست لون عاشق
وقيل أنشدهما لابن دريد في النوم فاعترضه بأنهما من اللف والنشر المشوش فقال له وما هذه المشاحنة في هذا الوقت يا بغيض تنبيه قد توسع الناس في هذا المبحث فخرجوا منه إلى التفضيل بين السمر والبيض وخاضوا بسبب ذلك في كلام عريض فمن قائل بتفضيل السمر مطلقاً وقوم البيض وآخرون فصلوا فقالوا إن كلاً يميل عكس لونه وهذا تحكم وحكم على الطبائع والأمزجة بلا دليل والصحيح إن الميل أما بداعية الشهوة أو النفع ولا ضبط للأول لاختلافه باختلاف الأشخاص وأما الثاني فألقوا فيه أما بحسب معتدل المزاج فالروميات حينئذ في نحو الحجاز أنفع كما أن الحبشيات في نحو الروم أجود لأن حرارة الأبدان تختبيء في الأغوار زمن البرد بالعكس وأما بالعكس وأما بحسب المرضى فالسود للمبرودين أجود والبيض للمحرورين كذلك وعندي أن عكس هذا أجود لما سمعت من التعليل والصحيح أن الحبشة ألطف مما عداهم مزاجاً وأرق بشرة وأعدل حرارة فلذلك هن أوفق مطلقاً ولكنهن في معرض التغيير وموضع تحقيق ذلك في الطبيعيات وأما الحكم على المصريين بأنهم إلى السمر أميل فمن قبيل ما قررناه من التحكم ومن ألطف الأشعار المقولة في التفضيل قول علي بن الجهم.
وعائب للسمر من جهله ... مفضل للبيض ذى محك
قولوا له عني أما تستحي ... من جعلك الكافور كالمسك
وقال أبو جعفر الشطرنجي:
أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد ... أنكما من طينه واحده
وقلت في ذلك:
أرى السمر أشهى منظراً عند عارف ... وأشرف مطلوباً سما في المطالب
فقل للذي قد فضل البيض جاهلاً ... رويدك لا ترغب لغير مناسب
فكم بين قيراط من المسك قيمة ... وقنطار ثلج بارد من مراتب
وقلت في عكس ذلك: