للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم

وأبرزتني للناس ثم تركتني ... لها غرضاً أرمي وأنت سليم

فلو كان قول يكلم الجسم قد بدا ... بجسمي من قول الوشاة كلوم

فأجابها:

غدرت ولم أغدر وخنت ولم أخن ... وفي بعض هذا للمحب عزاء

جزيتك ضعف الودّ ثم صرمتني ... فحبك في قلبي إلى اذاء

فالتفتت إلي وقالت ألا تسمع فغمزته فكف ثم أنشدت:

تجاهلت وصلي حين لاحت عمايتي ... فهلا صرمت الحبل إذ أنا أبصر

ولي من قوى الحبل الذي قد قطعته ... نصيب ولي رأي وعقل موفر

ولكنما آذنت بالصرم بغتة ... ولست على مثل الذي جئت أقدر

فأجابها:

لقد جعلت نفسي وأنت احترمتها ... وكنت أعز الناس عنك نطيب

وفي روضة القلوب بدل هذا البيت:

لقد كنت أنهي النفس عنك لعلها ... إذا وعدت بالنأي عنك تطيب

وفيها أنه قبلها وأنشد:

دمعي عليك من الجفون سكوب ... والقلب منك مروع مكروب

لا شيء في الدنيا ألذ من الهوى ... إن لم يخن عهد الحبيب حبيب

فأجابته:

خلوتم بأنواع السرور هناكم ... وأفردتموني للصبابة والحزن

وعذبتموني بالصدود وإنني ... لراض بما ترضونه لي من الغبن

والمشهور أنهما لم يأتلفا بعد بل حين أنشد لقد كنت أنهي النفس البيت، قالت له أو كنت تفعل ما فيك خير بعدها وافترقا، فقالت لكعب ما قلت لك أنك لا تفي بضمانك، ولكن إذا كان السحر فأتني. قال كعب فجئت فإذا أنا بالصباح فسألت جارية فقالت حين خرجتما جعلت في عنقها انشوطة وخنقت نفسها، فلحقناها فخلصناها فجلست ساعة تحادثنا وتفتكره فتقول إنه لقاسي القلب، ثم شهقت فماتت.

وبلغ الشاب فلزم قبرها فجاء به في النوم، فقالت هلا كان هذا قبل، فمات من وقته.

قال في النزهة وأصل هذه الحكاية، أن هذه المرأة كانت من عذرة، واسمها سعدى وكانت وهذا الفتى على أعظم رتبة من شدة تعلق كل منهما بصاحبه، وكان في الحي رجل يحبها وهي لا تحبه فغار منهما فوشي به إلى أهلها فحجبوها منه فتراسلا بالمحبة وبلغه فأرسل زوجته عن لسانها إلى مالك بشتم وقطيعة ولم يعرف أنها زوجة ذلك الرجل، ولم تدر الزوجة تفصيل الأمر، وكانت عند مالك أنفة.

فخرج إلى مكة ناقضاً للعهد، فلما بلغ زوجة ذلك الرجل وجه الحيلة، وما أخفاه زوجها أخبرت سعدى بما تم فخرجت على وجهها إلى مكة حتى اجتمعت به وتم بينهما ما سمعته.

[الصنف الثاني في ذكر من تمادى على نقض العهد ومات على اخلاف الوعد]

أخرج في اقتداح زناد الأشواق عن الأصمعي، قال نزلت على رجل من بني هذيل فأكرمني وأطرفني بلطائف الأخبار، فكان يوم أقصر ما يكون بالسرور.

فلما كان الليل فرش لي موضعاً لطيفاً موطئاً ونمت وجلس، فقلت هل بقي لك ارب في السهر؟ قال لا وعافاك الله ثم ودعني لما بي فحدثت أن له شأناً فأوهمته النوم فقام وفتح مخدعاً فأخرج منه كلبة عليها الحرير وأطواق الذهب. فقدم لها طعاماً وشراباً، فلما اكتفت غسلها بماء الورد وبخرها بالعود، ثم مكث ساعة ونزع ما كان عليها ورشها بالرماد والزيت وعاقبها طويلاً وهو مع الفعلتين يبكي بشهيق أخال فيه أن نفسه زهقت ثم أعاد عليها وأدخلها المخدع وجلس يبكي وينشد:

أأحبابنا لو تعلمون بحالنا ... لما كانت اللذات تشغلكم عنا

تشاغلتم عنا بصحبة غيرنا ... وأبديتم الهجران ما هكذا كنا

وآليتم أن لا تخونوا عهودنا ... فقد وحياة الحب خنتم وما خنا

غدرتم ولم نغدر وخنتم ولم نخن ... وحلتم عن العهد القديم وما حلنا

وقلتم ولم توفوا بصدق حديثكم ... ونحن على صدق الحديث الذي قلنا

ودام كذلك حتى طلع الفجر، فجاء ليوقظني فرآني منتبهاً، فلما ودعته تفرس أن في وجهي كلاماً، فقال أنشدك الله هل رأيت من حالتي شيئاً أنكرته. قلت اللهم نعم، قال أو تحب أن أطرفك به قلت أي والله فتنفس الصعداء وكفكف دمعه فلم يملك ذلك وخنقته العبرة فأرسلها وأنشد:

<<  <   >  >>