فقالت لها امرأة معها من نصر، قالت رجل أود لو كان معي طول ليلة ليس معنا أحد فدعا بها عمر فخفقها بالدرة ودعا بنصر فحلق شعره فعاد أحسن ما كان فقال له لا تساكني في بلدة يتمناك النساء بها، وأخرجه إلى البصرة وخافت المرأة فكتبت إلى عمر تستعطفه:
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... ما لي وللخمر أو نصر بن حجاج
إني غنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف غيره ساجي
إن الهوى ذمه التقوى فقيده ... حتى أقرّ بالجام واسراج
أمنية لم أطر فيها بطائرة ... والناس من هالك فيها ومن ناجي
لا تجعل الظن حقاً أو تبينه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
وكان عمر قد سأل عنها فوصفت له بالعفاف، فأرسل إليها قد بلغني عنك خير فقري، ومضى على نصر مدة بالبصرة فأزار عاملها ارسال بريد إلى المدينة فدس نصر بن حجاج كتاباً يستعطف فيه عمر ويسأله العود وفيه يقول:
لعمري لئن سيرتني أو حرمتني ... وما نلت من شتمي عليك حرام
أئن غنت الذلفاء يوماً بمنية ... وبعض أمانيّ النساء غرام
ظننت بي الظن الذي ليس بعده ... بقاء فما لي في النديّ كلام
فأصبحت منفياً على غير ريبة ... وقد كان لي في المكتين مقام
ويمنعني مما تظن تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تظن صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام
فهذان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام
فقال عمر أما ولي سلطان فلا، وبعث إليه فاقطعه بالبصرة ما يعيش به، وقيل نزل نصر على مجاشع بن مسعود السلمي من بني عمه فأكرمه ورفع محله وسمى نصر بها المتمنى، وكان تحت مجاشع شميلة بنت أبي حياء بن أبي بهر، وكانت من أجمل النساء فتولعت بنصر وتولع بها وزاد حبهما فأخفياه، وكان مجاشع آمناً فكتب لها نصر يوماً في الأرض أحبك حباً لو كان فوقك لأظلك أو تحتك لأقلك. فكتبت هي وأنا، وقيل قالت ذلك بلفظ حفي، فقال مجاشع ما قال قالت يقول ما أحسن داركم، فقلت وأنا قال ما هذا لهذا، وجعل على الكتابة صحفة فحين أصبح دعا غلاماً فقرأها، فقال هي طالق ألفاً يا ابن أخي.
فقال نصر وهي طالق إن تزوجت بها. وقيل ضعف نصر من حبها فأرسلها مجاشع إليه بطعام فمضت به فضمت نصراً إلى صدرها وأطعمته بيدها فشفي من وقته فقال بعض الحاضرين قاتل الله الأعشى حيث يقول:
لو أسندت ميتاً إلى صدرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
وقيل لما عادت عنه مات وعاشت شميلة طويلاً وقتل مجاشع يوم الجمل، وقيل اسمها خضراء وأنها من بجيلة وأنها أول من لبست الشفوف وقيل أن مجاشعاً حين طلقها أخبر أبو موسى بالقصة وكان عاملاً على البصرة، فقال لنصر ما أخرجك أمير المؤمنين من خير أخرج عنا فأتى فارس فعلقت دهقانة فبلغ عثمان بن أبي العاص، فقيل أخرجه إلى الشام وقيل أنه حين عزم على إخراجه قال إن أخرجتموني لحقت بالشرك فكاتبوا عمر فأمر بجز شعره وتشمير ثيابه والزامه المسجد والمتمنية هي فريعة بنت همام كانت إذ ذاك تحت المغيرة بن شعبة ثم تزوج بها يوسف الثقفي فأولدها الحجاج وبها كان يضرب المثل فتقول العرب أصبأ من المتمنية وأدنف منها.
ومن السلو عن الهوى استعمال الحساب والخوض في المشاجرات ونحو ذلك مما سبق ومنه رقوات وكتابات
قيل وجد على قبر الملوك حميراً صحفة ذهب مكتوب عليها:
ما أحسنت سلمى إليك صنيعها ... تركت فؤادك بالفراق مروعا
قيل استخبرت كاهنة عن البيت قالت كانوا يكتبونه مقلوباً ويسقونه العاشق فيسلو، ومن الشائع بين العرب أن تراب قبر العاشق إذا شرب منة في خشب الطزفاء يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس أحدث السلو.