للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما كان من قابل أتى وفعل كفعلته، فقالت له كالأول فحلف إن أمكنته من رشفة مضى. ففعلت وشعر به الحي فتبعوه، فخرج على جبل وأعقب الوقت سماء، فرجع النساء وأخذ الجارية من الوجد أضعاف ما عنده، فخرجت مع جارية من الحي وقد زهر القمر فرآها على بعد، وقد أسبلت شعرها من الندى فحبسها بعض من يطلبه فرماها بسهم فلم يخط قلبها ونزل فوجدها تتخبط بدمها وقد أشرفت على الهلاك فقتل نفسه.

[ومنهم ما رواه أعرابي أو هو جبلة بن الأسود]

قال خرجت في طلب ضالة لي فوقعت على راع عنده غنم يرعاها، وقد اتخذ بيتاً في كهف هناك، فسألته القرى فرحب بي وأنزلني، ثم جاء بشاة فذبحها وجعل يشوي ويقدم إلي ويحادثني حتى اكتفيت.

فلما جن الليل إذا بفتاة كأحسن ما يكون من النساء قد أقبلت إليه، فجلسا يتحادثان حتى طلع الفجر فمضت وسألته الذهاب فأبى، وقال الضيافة ثلاث فأقمت، فلما جاء الليل رأيته يقوم ويقعد متضجراً ثم أنشد:

ما بال مية لا تأتي كعادتها ... أعاجها طرب أم صدها شغل

لكنّ قلبي عنكم ليس يشغله ... حتى الممات وما لي غيركم أمل

لو تعلمين الذي بي من فراقكم ... لما اعتذرت ولا طابت لك العلل

نفسي فداؤك قد أحللت بي سقماً ... تكاد من حرّة الأعضاء تنفصل

لو أنّ غادية منه على جبل ... لما دوا نهد من أركانه الجبل

فسألته عن شأنه فقال هذه ابنة عمي وأنا أحبها فخطبتها من عمي فأبى علي لفقري وزوجها من رجل وقد حملها إلى هذا الحي فخرجت عن مالي، وعملت راعياً لهم، فهي تأتيني على غفلة من زوجها، فأنظر إليها ونتحادث ليس غيره، والآن قد قلقت لفوات ميعادها، وفي الطريق أسد قد كسر وأخاف أن يكون أصابها، فعلى رسلك حتى أعود وأخذ السيف ومضى قليلاً ثم عاد يحملها وقد أصابها الأسد فطرحها ثم غاب ورجع يجر الأسد مقتولاً، فطرحه وانكب يقبلها ويبكي، ثم قال لي أسألك بالذمة إلا ما دفنتني وإياها في هذا الثوب.

وكتبت على القبر هذا الشعر فإني لا بقاء لي بعدها، ثم انكب عليها، فإذا هو ميت، وقيل انكب على السيف فخرج من ظهره. وفي رواية ونمنا إلى الصباح فوجدته ميتاً فلففتهما ودفنتهما وكتبت على القبر الشعر الذي أوصى به وهو:

كنا على ظهرها والدهر في مهل ... والعيش يجمعنا والدار والوطن

ففرّق الدهر بالتصريف الفتنا ... فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن

ثم فرقت الغنم ومضيت إلى عمه فأخبرته بذلك فكاد أن يقضي أسفاً، على عدم الجمع بينهما.

[منهم]

[كامل بن الرضين]

وكان يحب ابنة عم له يقال لها أسماء، فافتتن بها حتى أنحله السقم ولزم الوساد فسأله أبوه أباها أن يزوجها منه فقال له أحمله إلي لأزوجه بها ففعل، فلما علم بذلك قال أو أنا بموضع تسمعني به. قالوا نعم فشهق شهقة فمات، فقالت قد كنت قادرة على زيارة فتركتها خوف الريبة فلأتبعنه، ثم مرضت فقالت لأخص نسائها صوري لي صورته ففعلت، فلما اعتنقتها فارقت نفسها فدفنت إلى جانبه وكتب على قبريهما:

بنفسي من لم يمتعا بهواها ... على الدهر حتى غيبا في المقابر

أقاما على غير التزاور برهة ... فلما أصيب قرّبا بالتزاور

فيا حسن قبر زار قبراً يحبه ... ويا زورة جاءت بريب المقادر

[ومنهم]

[مرة النهدي]

وكان قد شغف بابنة عمه ليلى، وكانت أوحد نساء زمانها حسناً، فكتم حبه لها حتى تزوجها، فأقاما مدة لا يزداد حالهما إلا شغفاً إلى أن أمره الخليفة بالتجهيز إلى غزو خرسان. فشكا إليها عدم القدرة على فراقها، فقالت اصنع ما شئت، فحملها معه حتى أودعها عند صاحب له، وتعجل الغزو.

فلما رجع كره أن يدخل ابتداء، فجلس بإزاء القصر، فخرجت جارية فسألها ما صنعت المرأة التي خلفتها عندكم، قالت ذاك القبر الجديد قبرها فتردد حتى خرجت أخرى فأخبرته مثل ذلك، فمضى إلى القبر فجعل يتمرغ عليه ويبكي، ثم أنشد:

أيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت ... عليها نساء من فصاح ومن عجم

ويا قبر ليلى ما تضمنت قبلها ... شبيهاً لليلى في عفاف وفي كرم

ويا قبر ليلى أكرمنّ محلها ... يكن لك ما عشنا علينا بها نعم

<<  <   >  >>