للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتهى ما ذكره، وفي النزهة أن مرثداً أتى يوماً من سفره في الليل، وكان الظلام شديداً فسمع زوجته وهي لا تشعر به تقول:

لعمرك إن القلب شط به النوى ... ولم تسعف الأيام للمدنف الصبّ

بلت بمن لم يدر حالي بحبه ... ألا أن عمراً في الهوى قاسي القلب

فعلم أنها مولعة به وأن ذلك كان كيداً منها فقتلها وأرسل إليه فأصلح أمره معه فعلى هذا تكون هذه الحكاية من الرابع.

ومن الثاني قصة سوسن المشهورة وللناس فيها كلام كثير غير أن المصنف رحمه الله لشدة معرفته باختلاف الألسن واللغات، نقلها من نصل الله عز وجل عليها في التوراة.

فذكر أن في سفر دانيال عليه السلام، من هذه القصة ما ترجمته لما كان في السنة الثالثة من ملك يواكيم ملك يهوذا قدم بختنصر ملك بابل إلى أورشليم يعني بيت المقدس بالعربية. وأسلمها الرب في يده ثم نزل ببيت صنمه بشنغار وهو موضع مشهور ببيت المقدس.

ولما استقرت آراؤهم على الشريعة الناموسية الموسوية حكم شخصين قاضيين عرفا بالعبادة والزهد في بني إسرائيل، فكانا يحكمان في الشعب ويأويان إلى بيت يواكيم.

وكان له زوجة يقال لها سوسن، وكانت في أرفع رتبة من الجمال والحسن وبهجة المنظر والصلاح لأن والديهما كانا صديقين في بني إسرائيل، وكانت في كل يوم تنزل إلى بستانها تمشي للنزهة. ورآها القاضيان فوقعت منهما واشتغلا بها عن النظر في الحكومات، وكتم كل عن الآخر حتى إذا كان منتصف النهار من يوم شديد الحر، قال كل منهم لصاحبه قد اشتد الحر فليذهب كل منا فيستريح.

وخرجا مضمرين العود رجاء الظفر بالجارية، فلما التقيا فحص كل عن عود الآخر فأظهرا ما عندهما من حبها واتفقا عليها وأنها دخلت مع جاريتين البستان، فعزمت على الحموم وقد استخفيا، فأرسلت الجاريتين ليأتياها بزيت وغسول، فظهرا وأغلقا الأبواب وقالا لها لئن لا تجيبينا، وإلا قلنا إنا وجدنا معك شاباً، ومن أجل ذلك أرسلت الجاريتين وأنت تعلمين مكاننا من بني إسرائيل.

قالت سوسن والله لا أغضب الرب أبداً وصرخت، فصرخ القاضيان ومضى أحدهما ففتح الباب، وجاء العبيد فأخبراهم بالقصة، فبقوا مبهوتين لأنهم لا يعلمون عليها سوء، ثم أتى يواكيم فأعملوه بالأمر وأنهما لم يقدرا على مسك الشاب، فجمع الشعب وتقدم الشيخان فكشفا عن سوسن وقالا نشهد على هذه أنها دخلت البستان ومعها جاريتان فأرسلتهما وأغلقت الأبواب، فجاء حدث من وراء شجرة فضاجعها، فحين رأينا المعصية صحنا فانفلت الشاب.

فبكت سوسن ورفعت طرفها إلى السماء، وقالت يا الله يا دائم يا عالم الخفيات أنت تعلم أنهما كذبا علي. ثم أقاماها للقتل وكان دانيال عليه السلام شاباً عمره ثلاث عشرة سنة، فجاء وصاح عليهم أن قفوا فإنها بريئة مما رميت به، ثم أمر بالتفريق بينهما، فقال لأحدهما من تحت أي شجرة جاء الحدث، فقال من تحت شجرة بطم فقال كذبت وهذا ملاك الله شاهد عليك بالكذب. ثم أخره وقدم الآخر وقال له من تحت أي شجرة جاء الحدث، فقال من تحت شجرة زيت فقال كذبت وأقامهما فنشرا ونزلت نار فأحرقتهما وحفظ الله الدم الزكي وعظم أمر دانيال عليه السلام.

ومن الرابع ما حكى في نديم المسامرة أنه كان بالبصرة رجل اسمه عباد، وكان يدعى بالمخنث لما كان يظهر من التزيي بزي النساء، فاجتمع ليلة مع قوم، وتذاكروا الشجاعة.

فقالوا له هازئين به هل تقدر أن تذهب فتدق هذا الوتد بالضريح الفلاني وكان معروفاً بالوحشة بعيداً عن العمارة. فمضى حتى صار فيه فحين شرع يدق الوتد سمع صرير سلسلة تدنو كلما دق حتى صار عنده، فإذا هو قرد قد ذهب من صاحبه، فأخذه وهم ليخرج إذ سمع امرأة تخاطب رجلاً فتقول ما الذي صنعت حتى تقتلني، فيقول أقتلك وأموت خير من أن تصيري إلى زوجك وأموت غماً.

فخرج عباد حينئذ عليهما وصرخ على القرد فتعلق بالرجل فظنها جناً، فرمى السلاح فأخذه عباد وفك المرأة واستخبرها، فأخبرته بأبيها فعرفه وأن هذا ابن عمه كان يهواها فخطبها إلى أبيها فأبى وهم بتزويجها من غيره وأنها خرجت لمفترج فكبسها هذا مع جماعة فتفرق النساء اللواتي كن معها وأخذها هو فصيرها إلى هذه الحالة، فأخذها عباد إلى أهلها وأخبر أصحابه بالقصة فكذبوه فأرهم ذلك فصار يعد من الشجعان.

<<  <   >  >>