ورأيت في نسخة، ولا بعض ما فيه إذا كنت راضياً، وهي أليق بتحسين الكلام لما فيها من المقابلة وفي أخرى، ولا بعض ما فيه وإن كنت رائياً، وهذا أليق بالمقام وألطف وأحسن دلالة على المقصود فيه من دفع التوهم من كونه ضعيف النظر فإنه يقول لا أرى له عيباً مع إني صحيح النظر فهذا على حد قوله:
فوالله ما أدري وإن كنت دراياً ... بسبع رمين الجمر أم بثمان
وقال السكري وابن أبي طاهر في المنثور والمنظوم وأبو عبيد البكري في كتابه اللآلي في شرح الآمالي أن اليقين لجرير بن الخطفي وقال السمعاني هما لعلي والأول أصح قال الحاتمي وقد سرق ابن عبد الأعلى هذا المعنى حيث قال:
وعين السخط تبصر كل عيب ... وعين أخ الرضى عن ذاك تعمي
وأما الشيخ فقد حده بأنه مرض يشبه الماليخوليا تولده الفكرة من استحسان الصور والشمائل ولا يشترط اقترانه بشهوة جماع وقالت إعرابية العشق جل أن يرى وخفي عن الورى فهو كامن في الصدور كالنار في الحجر إن قدح أورى وإن ترك توارى وهذا حد له بحقيقته في النفس ويؤيد عدم اشتراط الشهوة فيه والحسن قول بعضهم:
وما الحب من حسن ولا من سماحة ... ولكنه شيء به الروح تكلف
وعلامة ما يكون منه عن شهوة فقط زواله إذا زالت لأنه عرض وأما الكائن عن مشاكلة في النفس وارتسام في الذهن فحد لا يزول ومتى صح ارتسم عند كل من المتحابين ما عند الآخر لصفاء جوهر النفس وخلوها للمحبوب وقد تكون العوارض المذكورة سبباً لانقلابه إلى الحد الأصلي كما ستجده وأما نحو الرسيس والحب وغيرهما فأسماء اقترحتها الشعراء للتغزل والتشبيب لا تنطبق في الحقيقة على ما ذكرنا لكن وربما كان لبعض منها مسيس مناسبة فالرسيس من الرس وهو الثبات ورسوخ صورة المحبوب في النفس وزعموا أنه أول المراتب ولا ينطبق على المعنى اللغوي ويليه الحب وهو في الحقيقة أول الإلفة واشتق من حبة القلب أو من حباب الماء أو من حب البعير إذا برك أو من حبب الأسنان وهو بياضها وحدت المحبة بالميل الدائم بالقلب الهائم أو قيام للمحبوب بما يحب وعدم مشاركة شيء معه وفيه أنشد المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
وأنشد بعضهم:
ومن عجب إني أحسن إليهم ... وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
وتطلبهم عيني وهم في سوادها ... ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي
وألطف منه قوله:
خيالك في عيني وذكرك في فمي ... ومثواك في قلبي فأين تغيب
والحب أخص من العشق لأنه عن أول نظرة وأقصاه امتزاج الأرواح والرأفة أشد لأنها مبالغة في الرحمة قال الحراني هي أرق الرحمة والرحمة أعم لوقوعها على غير ذي صلة بخلاف الرأفة ويقرب من الحب الودأ وخالصه فيكون من الحب كالرأفة من الرحمة وفي معناه المقة والتتيم حالة يملك بها المعشوق العاشق فإذا زاد فهو الوله أعني الخروج عن حد الترتيب وأنشد في المعنى:
الحب أوله ميل يهيم به ... قلب المحب فيلقي الموت كاللعب
يكون مبدؤه من نظرة عرضت ... أو مزحة أشعلت في القلب كاللهب
كالنار مبدؤها من قدحة فإذا ... تضرمت أحرقت مستجمع الحطب
وأنشد أيضاً:
ثلاثة أحباب فحب علاقة ... كذا حب تملاق وحب هو القتل