للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما درى أن نومي حيلة نصبت ... لطرفه حين أعيا اليقظة الحيل

وقال ابن العفيف

يا حبذا طيفك من قادم ... يا أحسن العالم في العالم

طيف تجلى نوره ساطعاً ... حتى رأته مقلة النائم

يا غائباً يحكم في مهجتي ... عليّ طابت غيبة الحاكم

عار على حسنك أن يشتكي ... خطي منه أنه ظالمي

وأحسن كشاجم حيث قال

لقد بخلت حتى بطيف خيالها ... عليّ وقالت رحمة لنحيبي

أخاف على طيفي إذا جاء طارقاً ... وسادك أن يلقاه طيف رقيب

وقال آخر

وزارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا

فكدت أوقظ من حولي به فرحاً ... وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا

ثم انتبهت وآمالي تجنبني ... نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا

وقال ابن المعتز

أبصرته في المنام معتذراً ... إليّ مما جناه يقظانا

ولان حتى إذا هممت به ... أنبهت عند الصباح لا كانا

وقلت

مليكة الحسن ما شيء يقال له ... نوم فإن جفوني ليس تعرفه

هل تسمحين بشيء منه يطرقني ... فيه خيالك أن القلب يألفه

يحيا به ميت عشق لا حراك به ... لطول هجرك كاد الشوق يتلفه

ثم تشعبت آراءهم في التفنن في الخيال فمنهم من رده مللاً وضجراً ويشبه هذا ما سبق من حمله الضجر على ترك من هجر فمنهم طرفة ويقال أنه أول من ذكر الخيال وفي ديوان الصبابة أن أول من ذكره عمر بن قمئة وإن طرفه أول من طرده فقال:

فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل حبل من وصل

وتلاه جرير فقال

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام

وسيأتي لهذا البيت حكاية في الخاتمة تذكر هناك من رد عليه ومنهم من اعتذر عن عدم بعث الخيال بقوله:

سامحت كتبك في القطيعة عالماً ... أن الصحيفة أعوذت من حامل

وعذرت طيفك في الجفاء لأنه ... يسرى فيصبح دوننا بمراحل

ومنهم من ذم النوم في قالب الاعتذار عن طيف الخيال كأنه يقول أن المنغصات في الدنيا لا تنفك عن الانسان حتى في النوم ألا ترى أن من يحلم بمحبوبه أو شيء من مطلوبه ينتبه فلا يرى إلا الأسف والقلق وزيادة الحرق وأن حلم أنه أحدث أو ضرب رأى ذلك في الصباح ولما كان خيال المحبوب من التلذذات لم يأت النوم به جرياً على عوائد الزمان في الاتيان بغير الملائم للانسان وما أحسن قول المتنبي في هذا المعنى:

وأحسب أني إذ هويت فراقكم ... أفارقكم والدهر أخبث صاحب

فيا ليت بيني وبين أحبتي ... من البعد ما بيني وبين المصائب

ومن ذم المنام والرؤية فيه قول بعضهم:

أرى في منامي كل شيء يسوءني ... ورؤياي بعد الصبح أدهى وأقبح

فإن كان خيراً فهو أضغاث حالم ... وإن كان شراً جاءني قبل أن أصبح

وقال المعري

إلى الله أشكو أنني كل ليلة ... إذا نمت لم أعدم خواطر أوهام

فإن كان شراً فهو لا شك واقع ... وإن كان خيراً فهو أضغاث أحلام

وقال الأحنف العكبري

وأحلم في المنام بكل خير ... فأصبح لا أراه ولا يراني

ولو أبصرت شراً في منامي ... لوافى الشر من قبل الأذان

وقلت

لك الحمد إني لم أبت ليلة ... من الدهر خلواً من أليم الغوائب

وفي النوم أن أحلم بشيء يسوءني ... من الصبح يأتيني بسوء العواقب

وإن كان خيراً لا أرى منه ذرّة ... لسوء مزاج أو قران كوكب

ومنهم من تطرف فوصف النوم وإبليس بالقيادة قال ابن المعتز:

ألم الخيال بلا حمده ... وأبدلني الوصل من صدّه

وكم نومة لي قوّادة ... أتت بالحبيب على بعده

وقال آخر

تركت هجا إبليس ثم مدحته ... وذاك لأمر عز عندي سلوكه

يقرّب من أهواه حيناً فإن أبى ... حكاه خيالاً في الكرى فأنيكه

<<  <   >  >>