يا ليلة غلط الزمان بها ولو ... عوّضتها بالعمر كان منائي
وقلت أيضاً
أفدي التي زارت بلا موعد ... في غفلة الواشين والجاني
والوجه منها روضة أينعت ... ما لمستها راحة الجاني
قمت لأجني الورد من خدها ... وهي بسيف اللحظ ترعاني
فقلت ما هذا وقد راعني ... قالت حديد يمنع الجاني
وأما كلام سيدي عمر بن الفارض في وصف طيب الحبيب فغاية لا يدركها اللبيب وذلك قوله:
ولو عبقت في الشرق أنفاس طيبها ... وفي الغرب مزكوم لعادله الشم
فإنه مع ذكر البعد فيما بين الجهتين مرصع بلطائف لا يهتدى إليها إلا من خص بالعناية ألا ترى إلى وصفه الشام بالزكام المانع من الشم عادة وجعله في الغرب الذي يكثر الهواء منه لا إليه كما في القرينة الثانية وجعل المحبوبة في القطر الحار الذي تفنى فيه الرائحة إذا عبقت لشدة تحليل الشمس لما يحمله الهواء من تصعيد البخار ومع ذلك يشم ومنه أخذت فقلت:
لو اشتاقها في الغرب فاقد شمه ... وكانت بأقصى الشرق شم نسيمها
وقلت في العيادة
أقول لها هل تسعفي بعيادة ... مريضاً كواه البين بالهجر والسقم
فقالت إذا ما فارق الروح زرته ... لأن محال جمع روحين في جسم
ومما يتخرج على الزيارة تخريج الفروع على الأصول ويهتدي إلى الحاقه بها أهل العقول ما جرى على ألسنة الأحباب من أحوال العتاب وانقسام الناس فيه إلى مادح له لتأكيده المحبة وذام له بين الأحبة والصحيح إنما كذب الناقل وميز الحق من الباطل وأكد الصحبة بعد النفور وبين للحبيب الزور فهو أحق بأن ينصر ومنه يستكثر قال في إحياء علوم الدين ما معناه إن العتاب شأن أولي الألباب وقاطع لقطيعة الإخلاء والأصحاب وكان الرجل إذا وقع في نفسه من أخيه شيء لم يهجره حتى يوضح له ذلك فإن انتهى وإلا هجره وأما عتاب يفضي إلى المقاطعة ويحدث الهجر والممانعة فتقريع يجب اجتنابه عقلاً ونقلاً وتركه فصلاً ووصلاً وفيه قيل من سوء الآداب كثرة العتاب ومن أمثالهم في الأول العتاب مفتاح الوصال قاطع للهجر والملال وإلى سلوك الطريقة الحسنة فيه أشار من أمر بقتله وهو سعيد الكاتب بقوله:
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل تارة ويميل
ولعل أيام الحياة قصيرة ... فعلام تكثر عتبنا وتطيل
وقال آخر
وبعض العتاب إذا ما رفقت ... يباعد هجر أو يدني وصالا
فعاتب أخاك ولا تجفه ... فإن لكل مقام مقالا
وإلى مكثر التقاطع أشار بالترك من قال
لا تقر عن سماع من ... تهوى بتعداد الذنوب
ما ناقش الأحباب إلا ... من يعيش بلا حبيب
وإلى تأييد الأول أشار من قال
فلا عيش كوصل بعد هجر ... ولا شيء ألذ من العتاب
فلا هذا يمل حديث هذا ... ولا هذا يمل من الجواب
وقال آخر
وأحسن أيام الهوى يومك الذي ... تروّع بالهجران فيه وبالعتب
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضا ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
ابن سنا الملك
وأملي عتاباً يستطاب فليتني ... أطلت ذنوبي كي يطول عتابه
ومن غرتي ذكر العذيب وبارق ... وما هو إلا ثغره ورضا به
أبو نواس
أساء فزادته الإساءة خطوة ... حبيب على ما كان منه حبيب
تعد عليّ الواشيات ذنوبه ... ومن أين الموجه المليح ذنوب
الحكم بن قنبر
كأنما الشمس في أعطافه طبعت ... حسناً أو البدر من أزراره طلعا
مستقبل بالذي يهوي وإن عظمت ... منه الإساءة معذور بما صنعا
في وجهه شافع يمحو إساءته ... من القلوب وجيه حيثما شفعا
أبو فراس
قل لإحبابنا الجناة علينا ... درجونا على احتمال الملال
أحسنوا في عتابكم أو أسيئوا ... لاعدمناكم على كل حال
وقال آخر
إذا مرضنا أتيانكم نعودكم ... وتذنبون فنأتيكم فنعتذر
وقال آخر
حججي عليك إذا خلوت كثيرة ... وإذا حضرت فإنني مخصوم