والله ما أدعو على هاجري ... إلا بأن يمحن بالعشق
حتى يرى مقدار ما قد جرى ... منه وما قد تم في حقي
وقال آخر:
أيها المعرض صفحاً ... عن خطابي وجوابي
لا أرك الله عمري ... أو يريني بك ما بي
ربّ فاجعله دعاء ... خائباً غير مجاب
رق قلبي أن يرى ... قلبك في مثل عذابي
وقال آخر:
كم جفاني فرمت أدعو عليه ... فتوقفت ثم ناديت ذاهل
لأشفى الله طرفه من سقام ... وأراني عذاره وهو سائل
ابن وكيع:
إن كنت تعلم ما بي ... وأنت بي لا تبالي
فصار قلبك قلبي ... وصرت في مثل حالي
بل عشت في طيب عيش ... تفديك نفسي ومالي
دعوت إذ ضاق صدري ... عليك ثم بدا لي
وقال آخر:
ولما بدا لي أنه غير رائدي ... وأن هواه ليس عني بمنجلي
تمنيت أن يهوى ويحيا لعله ... يذوق مرارات الهوى فيرق لي
قالت:
لي طلعة الحسن واللطف ناضرة ... أرى كل أرباب المحاسن ناظره
لقد بطنت في كل معنى وصورة ... من الكون لما أصبحت فيه ظاهره
تضن على العشاق بالقتل في الهوى ... فما طلبي للوصل إلا مكابرة
ولكنني أرجو تبدل ما بنا ... من الميل واستكشاف حجب المساتره
فتطلبني من بعد ما أنا طالب ... لها وتحييني بحسن المحاضره
فيا رب خذ منها بحقي وانتصر ... لنفس غدت في أبحر الشوق حائره
ولا تستجب مني وسلطان عزها ... أدمه وإن كانت على الناس جائره
ثم قد يتمادى الهجر ولا يسمع الدعاء ويعز الوصل ويصعب الرضا فيأخذ العاشق في مسح الدموع والانحطاط من أوج الارتفاع إلى حضيض الخضوع. ولقطب هذه الدائرة وبدر سماء هذه الكواكب السائرة ذي المرتقة التي لا تلحق وقصب السبق التي لا تدرك والجواد الذي لا يسبق قوله:
ومن درجات العز أمسيت مخلداً ... إلى دركات الذل من بعد نخوتي
فلا باب لي يغشى ولا جاه يرتجى ... ولا جار لي يحمي لفقد حميتي
فقد أشار في هذين البيتين إلى طرح حطوط نفسه التي قد تكون مانعة من الوصول إشارة يدق إدراك كنهها عن العقول فقد أثبت له رتبة رفيعة بين أن تركها بعد علاج عظيم ومن ثم كان تدريجاً لعدم إمكان طرحها دفعة كما أفهمته الدرجات والإضافة إلى العز وعكس الحكم في الطرف الآخر لأنه في غاية المقابلة وأكد ذلك بالاشارة إلى غاية المحو الذي به حقق إثباته كما أشار بعده بقوله والفقد مثبتي وأما إشارته إلى الدموع وفنسكابها فالغاية التي لا يدرك منها الناس إلا القشور فمنها قوله:
فسهدي حي في جفوني مخلد ... ونومي بها ميت ودمعي له غسل
فانظر إلى غرابة هذه الاستعارات ولطف هذا التركيب وصحة هذا السبك الخالص من الزيف مع بلوغ المقصود ثم بالغ في تحقيق هذا المرام وارتقى في مسالك هذا المقام بقوله:
وامع هملت لولا التنفس من ... نار الجوى لم أكد أنجو من اللجج
وأبلغ منه قوله
فطوفان نوح عند نوحي كاد معي ... وإيقاد نيران الخليل كلوعتي
فلولا زفيري أغرقتني مدامعي ... ولولا دموعي أحرقتني زفرتي
لعكس التشبيه كما سبق في صدر هذا الباب وتكافؤ الضدين هنا ومن قال بتساوي المعنيين في القصيدتين لم يعرف معنى الطوفان بالنسبة إلى اللجج في الأول لأنه انقلاب العناصر كلها إلى واحد وهذا في الدقة كقوله رضي الله عنه وإن لم يكن مما نحن فيه.
وتحفت أخفافها فهي تمشي ... من جواها في مثل جمر الرماد
حيث نسب تحفية الاخفاف إلى حراره الجوى التي شأنها الصعود عكس الإخفاف فكأنه يقول لشدة هذه الحرارة استوعب الأحباز كلها وأما قوله:
فلو بكى في قفار خلتها لججا ... وإن تنفس عادت كلها يبسا
وغيره فكثير لا يمكننا إدراك أقله وأني للبشر من حيث أنه بشر إدراك دقائق الفيوضات الإلهية والكرامات التي خلفت المعاجز النبوية كما صرح به رضي الله عنه حيث قال: