قال جرير أنا قلته قالت فما أحسنت ولا أجملت ولا صنعت صنع الحر الكريم لا ستر الله عليك كما هتكت سترك وسترها ما أنت بكلف ولا شريف حين رددتها وقد تجشمت إليك هول الليل هلا قلت:
طرقتك صائدة القلوب فمرحباً ... نفسي فداؤك فادخلي بسلام
خذ هذه الخمسمائة درهم فاستعن بها في سفرك ثم انصرفت إلى مولاتها وقد أفحمتنا وكل من الباقين يتوقع ما يخجله ثم خرجت فقالت أيكم القائل:
ألا حبذا البيت الذي أنا هاجره ... فلا أنا ناسيه ولا أنا ذاكره
فبورك من بيت وطال نعيمه ... ولا زال مغشياً وخلد عامره
هو البيت بيت الطول والفضل دائماً ... وأسعد ربي جد من هو حاذره
به كل موشيّ الذراعين يرتعي ... أصول الخزامى ما ينفر طائره
هما دلياني من ثمانين قامة ... كما أنقض باز أقتم الريش كاسره
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحي يرجى أم قتيل نحاذره
فأصبحت في أهلي وأصبح قصرها ... مغلقة أبوابه ودساكره
قال أبي يعني الفرزدق أنا قتله فقالت وما وفقت ولا أصبت أما أيست بتعريضك من عودة صدق محمودة خذ هذه الستمائه درهم فاستعن بها ثم انصرفت إلى مولاتها ثم عادت فقالت أيكم القائل:
فلولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسي النشأ الصغار
بنفسي كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار
فقال نصيب أنا قلته فقالت أغزلت وأحسنت ولا كرمت لأنك صبوت إلى الصغار وتركت الناهضات بأمالها خذ هذه السبعمائة درهم فاستعن بها ثم انصرفت إلى مولاتها ثم عادت فقالت أيكم القائل:
وأعجبني يا عز منك خلائق ... كرام إذا عد الخلائق أربع
دنوك حتى يذكر الجاهل الصبا ... ومدك أسباب الهوى حين يطمع
وأنك لا تدري غريماً مطلته ... أيشتد إن لاقاك أو يتضرع
وأنك إن واصلت أعلمت بالذي ... لديك فلم يوجد لك الدهر مطمع
قال كثير أنا قلته قالت أغزلت وأحسنت خذ هذه الثمانمائة درهم فاستعن بها ثم انصرفت إلى مولاتها ثم خرجت فقالت أيكم القائل:
لكل حديث بينهن بشاشة ... وكل قتيل بينهن شهيد
يقولون جاهد يا جميل بغزوة ... وأيّ جهاد غيرهن أريد
وأفضل أيامي وأفضل مشهدي ... إذا هيج بي يوماً وهن قعود
فاقل جميل أنا قلته قالت أغزلت وأحسنت وكرمت وعففت أدخل فلما دخلت سلمت فقالت سكينة أنت الذي جعلت قتيلنا شهيداً وحديثنا بشاشة وأفضل أيامك يوم تذب عنا وتدافع ولم تتعد ذلك إلى قبيح خذ هذه الاف درهم وابسط لنا العذر أنت أشعرهم وهذه الحكاية هي التي سبقت الاشارة إليها في فصل الخيال من الباب الخامس.
واجتمع كثير وجميل وعمر بن أبي ربيعة عند عبد الملك فقال أنشدوني أرق بيت قلتم فأنشد جميل.
حلفت يميناً يا بثينة صادقاً ... فإن كنت فيه كاذباً فعميت
فلو أن جلداً غير جلدكم مسني ... وباشرني دون الشعار شريت
ولو أن راقى الموت يرقي جنازتي ... يمنطقها في الناطقين حييت
وأنشد كثير
بأبي وأمي أنت من مظلومة ... طبن العدوّ لها فغير حالها
لو أن عزة خاصمت شمس الضحى ... في الحسن عند موفق لقضى لها
وسعى إلى بصرم عزة نسوة ... جعل المليك خدودهن نقالها
وأنشد ابن أبي ربيعة
ألا ليت قبري يوم تقضي منيتي ... بتلك التي من بين عينيك والفم
وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشائك والدم
ألا ليت أم الفضل كانت قرينتي ... هنا أو هنا في جنة أو جهنم
فقال أعط صاحب جهنم عشرة آلاف درهم وسمع الحسن جارية تنشد وهي طائفة بالبيت.
لا يقبل الله من معشوقة عملاً ... يوماً وعاشقها غضان مهجور
وليس يأجرها في قتل عاشقها ... لكن عاشقها في ذاك مأجور