فغيرت ذلك إدراكي الثاقب فقصرت عن بلوغ المآرب فأعملت الحيلة فيما به أريح النفس وأنفي اللبس في الفكر بعد طول التعب إن امتطى غارب الأدب فارست من الأصحاب من هوله كالعناصر فمال إليه ذهني الفاتر فشرعت في جمع شيء في محاسنه المختلفة وضمها بحيث تكون في الجنس وإن اختلفت بالنوع مؤتلفة فكان أول ما سطرته وأحكمت قواعده وحررته طبقات ذكرت فيها أخبار الحكماء ولطائف الأطباء ثم لم أزل أجيل النظر في مجاميع مختلفة إلى أن وقع اختياري على اختصار الأشواق المأخوذ من مصارع العشاق المنسوب إلى أبي بكر محمد بن جعفر البغدادي السراج رحمه الله فإنه وإن كان قد جمع فيه بين جد القول وهزله وظرائف نكت العشق وأهله ورقيق اللفظ وجزله إذ هو صنيعة وحيد زمانه ورئيس أقرانه وواحد عصره ونادرة دهره مولانا أبي الحسن إبراهيم بن حسن بن عمر الرباط الشهير بالبقاعي تغمده الله برضوانه وأسكنه فسيح جنانه إلا أنه كتاب طال في غير طائل وجمع ما لا حاجة بهذه الصناعة إليه من المسائل كذكر الأسانيد والتكرار الذي هو شأن الأحاديث النبوية لتوثيق الأحكام الدينية كالإخلال بمحاسن الأخبار ولطائف الأشعار التي هي بهذا الفن أعلق من الجوى بأهل الهوى وعدم الترتيب المستلزم لاختلال التهذيب وكالاعراض عن ذكر غالب أسباب وقوع بعض العشاق في شرك الحب إلى غير ذلك مما يظهر لمتأمل كتابنا مع أصله إذا طرح الهوى وانتظم في سلك الانصاف وأهله فألفت هذا الكتاب الذي هو في قلادة هذا الفن درة بيضاء وفي جبهة جواده غرة غراء أكملت فيه فوائده ورددت شوارده وأضفت ما نبذه ظهريا ولم آت شيافريا فزاد على أصله بأمور إثني عشر أحدها وهو الأعظم تبديل ما في الباب العاشر الذي سماه بالشارع الجامع لما في المصارع بما هو خليق بهذا الاسم وجدير بهذا الرسم ضمنته ما حل مما تقدمه محل الأصول من الفروع كجعلك الغيرة أصلاً لنحو حكاية ديك الجن وكتم الأسرار لنحو صاحب الجارية في عرفة وتأمل الخيال لنحو من عشق في نومه إلى غير ذلك وجمعت فيه ديوان الصبابة وغيره وهو نمط ما بسط قبل وثانيها حسن التقسيم في الأبواب وثالثها لطف الترتيب وضم الأنواع المتماثلة ورابعها حذف الأسانيد والتكرار مع ذكر ما اختلف باشارات كان وقيها وخامسها ذكر السبب الموقع لصاحب الحكاية فيها وسادسها تمييز من جهل شيء من أحواله ممن علم بسائر أقواله وأفعاله وسابعها تفصيل من علق الأحرار من أهل الرق والمسلمين من أهل الشرك وأمثال ذلك من قديم ومحمد وثامنها ذكر ما في الأصل من الألفاظ اللغوية مفسراً ذلك بازائه مبدلاً ذلك بأوضح منه وتاسعها شرح ما في الأشعار من الغريب وعاشرها تعليل الأسباب المتعلقة بهذا الفن بالعلل الحكمية مأخوذاً من الأصول والأدلة الفلسفية والقواعد الطبية وحادي عشرها ذكر تعلق هذا الفن بأنواع المواليد الثلاثة وكيفية دخوله فيه وثاني عشرها الزيادات في الأبواب فربما كانت أنواعاً مستقلة وتكميلاً لما وجد بعضه في الجملة وربما زاد عليه بأشياء غير المذكورة في مطاوي معانيه فترعن استحضارها الذهن هنا كل ذلك مما استخرجه فكري القاصر وذهني الفاتر أو ظفرت به في كتب ربما أسمى بعضها فيه هذا كله مع إني والله لم أخل في يوم من أيام عمله في مشوش طارىء على ما عندي لها سبقت الاشارة إلى ذكره ولما كمل واتسق وانتظم في أكمل نسق سنه بتزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق ورتبته على مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة والله المسؤول أن ينفع به فيما قصد بترتيبه وأن يوفقنا إلى أصح القول وتهذيبه أنه أكرم من أعطى المراد وسئل فجاد فالمقدمة فيما جاء فيه من الأخبار والآثار ويلي ذلك أربعة فصول الأول في الترغيب فيه والثاني في رسمه والثالث في مراتبه والرابع في علاماته.
والباب الأول في مصارع محبي الله تعالى وفيه فصل ميزنا فيه من قتله التذكر بنحو سماع آية.
والباب الثاني في عشاق الجواري وهو ستة أقسام الأول فيمن اشتهر الثاني فيمن جهل الثالث في عشاق الاماء الرابع فيمن حظي بالتلاق بعد تجرع كأس من الفراق الخامس فيمن وسموا بالفساق من العشاق السادس فيمن نكث الصحبة وحل عقد المحبة وفي كل أقسام أصناف وأنواع بحسب ما احتمله المقام من صحة الانقسام.