للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عتبة المعروف بالغلام وسمي بذلك لكثرة خدمته أنه كان مقيماً بالجبانة فبلغ خبره علي بن سلمان أمير العراق فخرج حتى وقف عليه فسلم فرفع رأسه فرد عليه فقال له الأمير كيف أصبحت قال متفكراً في القدوم على الله بخير أم بشر ثم بكى وأطرق رأسه منكساً إلى الأرض فقال الأمير قد أمرت لك بألف درهم فقال قبلتها على أن تقضيني معها حاجة فقال وقد سر بذلك وما هي قال تقبل مني ما وهبتني فقال قد فعلت وانصرف ولقد كان عتبة هذا لا ينام إلا أول الليل ثم يستيقظ فزعاً مرعوباً ينادي النار النار قد شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ثم يتوضأ ويقف للخدمة وإن البكاء ليمنعه القراءة وكثيراً ما يقول اللهم يا عالماً بحاجتي غير معلم بما أطلب وما أطلب إلا فكاكي من النار اللهم إن الجزع قد أرقني من الخوف فلم يؤمني وكل هذا من نعمتك السابقة علي وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك إلهي قد علمت لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين.

وعن سهل ابن عبد الله التستري رضي الله عنه الناس ثلاثة أصناف صنف مضروب بسوط المحبة مقتول بسيف الشوق مضطجع على بابه ينتظر الكرامة وصنف مضروب بسوط التوبة مقتول بسيف الندامة مضطجع على بابه ينتظر العفو وصنف مضروب بسوط الغفلة مقتول بسيف الشهوة مضطجع على بابه ينتظر العقوبة.

وعن حيان القيسي العباد مع الله على ثلاث طبقات قوم ظعن بهم عن البلاء لئلا يسترق الجزع سرهم فيكون هذا حكمة أو يكون في صدورهم حرج من قضائه وقوم ظعن بهم عن مساكنة أهل المعاصي لئلا تغتم قلوبهم فمن أجل ذلك سلمت صدورهم للعالم وقوم صب عليهم العذاب صباً فما ازدادوا بذلك إلا حباً.

أقول والتقسيم الأول شامل لطبقات العالم السعيد منهم والشقي إلا أن القسم الأول أسعد السعداء وأما هذا التقسيم فهو تقسيم لأهل الله فقط على أن لنا أن نتكلف للأول أن يكون مثله وفي هذا تلميح إلى التسليم البحت في القضاء والقدر والأول إلى الاختيار.

وعن سحنون بن حمزة الخواص أن أبا بكر البصري وكان رجلاً من أكابر الأولياء مات قبل الجنيد بيسير وكان قد سمي نفسه بالكذب لبيت قاله وهو:

فليس لي في سواك حظ ... فكيفما شئت فامتحني

فحصر بوله أثر قوله هذا فتضجر فسمي نفسه الكذاب في المحبة غيره:

ولو قيل طأفي النار أعلم أنه ... رضا لك أو مد لنا من وصالك

لقدّمت رجلي نحوها فوطئتها ... سرور الآتي قد خطرت ببالك

وله أيضاً:

وكان فؤادي خالياً قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح

فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن فنائك يبرح

رميت ببين منك إن كنت كاذباً ... وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح

وإن كان شيء في البلاد بأسرها ... إذا غبت عن عيني بعيشي يملح

فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل ... فلست أرى قلبي بغيرك يصلح

وله أيضاً:

يا من فؤادي عليه موقوف ... وكل همي إليه مصروف

يا حسرتي حسرة أموت بها ... إن لم يكن لي إليك معروف

وعن الجنيد رضي الله عنه قال أنفذ في السري في حاجة فلما قضيتها دفع إلي رقعة وقال قد أجزتك هذه الرقعة ففتحتها فإذا فيها:

ولما شكوت الحب قالت كذبتني ... ألست أرى منك العظام كواسيا

وما الحب حتى يلصق بالجلد بالحشا ... وتخرس حتى لا تجيب المناديا

وتضعف حتى لا يبقى لك الهوى ... سوى مقلة تبكي بها وتناجيا

ودخل أبو بكر الشبلي يوماً المارستان فوجد غلاماً أسود قد غل إلى سارية فلما رآه قال يا أبا بكر قل لربك ما كفاه أن تيمنى بحبه حتى قيدني وأنشد يقول:

على بعدك لا يصبر من عادته القرب

وعن قربك لا يصبر من تيمه الحب

فإن لم ترك العين فقد أبصرك القلب

<<  <   >  >>