للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كنا ذرة نذراً فأوفت وحلت

فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت

ولم يلق انسان من الحب ميتة ... تغم ولا غماء إلا تجلت

كأني أنادي البيتين:

أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت

فليت قلوصي عند عزة فيدت ... بحبل ضعيف حزمنها فضلت

وغودر في الحي المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي فدلت

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلت

وكنت كذات الظلع لما تحاملت ... على ظلعها بعد العشار استقلت

أريد التواء عندها وأظنها ... إذا ما أطلنا عندها المكث ملت

فما أنصفت أما النساء فبغضت ... إلي وأما بالنوال فضنت

يكلفها الخنزير شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلت

هنيئاً مريئاً غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت

ومن أول القصيدة إلى قوله فما أنصفت لزوم ما لا يلزم ولم يخالفه إلا في البيت المذكور، وللبيتين اللذين بعده حكاية هي أن كثيراً سافر مع جماعة إلى مكة فاتفق أن خرجت عزة وزوجها في ذلك العير، فلما كان في أثناء الطريق مرت بجمل له فسلمت على الجمال فبلغ كثيراً ذلك فجاء إلى الجمل فحله وأطلقه من الحمل وأنشد:

حيتك عزة بعد الهجر وانصرفت ... فحي ويحك من حياك يا جمل

ليت التحية كانت لي فأرددها ... مكان يا جمل حييت يا رجل

زاد أبو علي بيتاً بين هذين وهو:

لو كنت حييتها ما زلت ذامقة ... عندي ولا مسك الادلاج والعمل

ثم اتفق أن زوجها أمرها ليلة أن تقتبس ناراً وقال في النزهة أن تستعطي سمناً فلقيها كثير فأخبرته بحاجتها فأخرج أدواة سمن وجعل يسكب في إناء عزة وهما يتحادثان فلم يشعرا حتى غرقت أرجلهما، فلما رجعت أنكر زوجها كثرة السمن وأقسم عليها فأخبرته فحلف ليضربنها أو لتخرجن فتشتم كثيراً بحيث يسمعها ففعلت فأنشد يكلفها الخنزير البيتين وفي منازل الأحباب أنها وقفت عليه وهو يبري سهاماً ما فجعل يبري ساعده فدخلت عليه فمسحت الدم بثوبها وأن زوجها لم ينكر إلا وجود الدم، وقيل له أنت أشعر أم جميل فقال كيف يكون أشعر مني وهو القائل:

رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح

وأنا القائل هنيئاً مريئاً البيت وليس فيما ذكر دليل على أنه أشعر منه وإنما يدل ذلك على أن كثيراً أرق قلباً وأشفق على محبوبته وأشد عشقاً فلو سبق الكلام لذلك فكان الصق بالمعنى وأولى وتمام القصيدة:

ووالله ما قاربت إلا تباعدت ... بصرم ولا أكثرت إلا أقلت

فإن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً ... وحققت لها العتبى لدينا وقلت

وإن تكن الأخرى فإن وراءنا ... مناويح لو سارت بها العيس كلت

فلا يبعدن وصل لعزة أصبحت ... بعافية أسبابه قد تولت

خليليّ إن الحاجبية طلحت ... قلوصيكما إذ ناقتي قد أكلت

أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة ... لدينا ولا مقلية إن نقلت

ولكن انبلي واذكري من مودة ... بناخلة كانت لديك فضلت

وإني وإن صدت لمثن وصادق ... عليها بما كانت علينا أدلت

فما أنا بالداعي لعزة بالجوى ... ولا شامتاً إن نعل عزة زلت

فلا يحسب الواشون أن صبابتي ... بعزة كانت غمرة فتجلت

وأصبحت قد أبليت من دنف بها ... ولا بعدها من خلة حيث خلت

وما مر من يوم عليّ كيومها ... وإن عظمت أيام أخرى وجلت

وأضحت بأعلى شاهق من فؤاده ... فلا القلب يسلاها ولا العين ملت

فيا عجباً للقلب كيف اعترافه ... وللنفس إذ وطنتها كيف زلت

وإني وتهيامي بعزة بعد ما ... تخليت مما بيننا وتخلت

<<  <   >  >>