عفا الله عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكماً عليّ تجور
واستشهد شخصاً عن عروة بن حزام فأخبره بحاله وأنه مات براحة فتعجب من كثرة ذكر الناس له مع حسن حاله في العشق وأنشد:
عجبت لعروة العذري أمسى ... أحاديثاً لقوم بعد قوم
وعروة مات موتاً مستريحاً ... وها أنذا أموت كل يوم
ولما اشتهر أمرهما في العرب وشاع شعره فيها منعه أهلها الزيارة وكان في حي ليلى امرأة من بني عامر قد تزوجها رجل من حريش ومات عنها وقد ترك لها صبية فكان يأتيها المجنون يتعرف منها أخبار ليلى فبلغ أهلها ذلك فزجروا المرأة وجاء المجنون فأخبرته فأنشد متمثلاً بيت امرىء القيس وضم إليه ثانياً له:
أجارتنا إنا غريبان هنا ... وكل غريب للغريب نسيب
فلا تزجريني عنك خيفة كاشح ... إذا قال شراً أو أخيف لبيب
ثم تركها وكان يأتي غفلات الحي فلما علموا بذلك شكوه إلى مروان فكتب إلى عامله بهدر دمه إذا وجد عند ليلى فقرؤا عليه ذلك فأنشد:
لئن حجبت ليلى وآلى أميرها ... عليّ يميناً جاهداً لا أزورها
وأوعدني فيها رجال أبوهم ... أبي وأبوها خشنت لي صدورها
على غير شيء غير إني أحبها ... وإن فؤادي عند ليلى سميرها
ولما يئس من زيارتها قلق لذلك قلقاً أدى لزوال عقله فهام على وجهه يلعب بالتراب والعظام لا يعقل غير ذكرها وأنها جزعت لذلك جزعاً أدى إلى سقمها فحج بها أهلها فرآها ثقفي فخطبها إليهم فأجابوا بعد أن ردوا جماعة ونمى إلى المجنون ذلك فأنشد:
ألا أن ليلى العامرية أصبحت ... تقطع إلا من ثقيف حبالها
هم حبسوها محبس البدن وأبتغي ... بها المال أقوام ألا قل مالها
إذا ما التقت والعيس صفر من الثرى ... من العين جلى عبرة العين حالها
هذا ما تظافرت به الأخبار وفي رواية إلا تلك ليلى العامرية أصبحت وفيها والعيس صفر من البكا وقد حرف هذا البيت وفي رواية الأغاني لقد حبسوها محبس البدن وفي أخرى بعده:
خليلي هل من حيلة تعلمانها ... فيدنى بها تكليم ليلى احتيالها
فإن أنتما لم تعلماها فلستما ... بأول باغ حاجة لا ينالها
كان مع الركب الذين اغتدوا بها ... غمامة صيف زعزعتها شمالها
نظرت بمفضى سيل حوضين والض ... حى تحث بأطراف المحارم آلها
بمنهلة الأجفان هيج شوقها ... مجامعة الآلاف ثم رآلها
إذا التفت من خلفها وهي تعتلي ... على العيس جلى عبرة العين حالها
وحين تحقق عنده تزويجها أنشد:
دعوت إلي دعوة ما جهلتها ... وربي بما تخفي الصدور خبير
لئن كان يهدي برد أنيابها العلا ... لا فقر مني إنني لفقير
فقد شاعت الأخبار إن قد تزوجت ... فهل يأتيني بالطلاق بشير
وجعل يمر ببيتها فلا ينظر إليه فأنشد:
ألا أيها البيت الذي لا أزوره ... وإن حله شخص إليّ حبيب
هجرتك اشفاقاً وزرتك خائفاً ... وفيك عليّ الدهر منك رقيب
سأستعتب الأيام فيك لعلها ... بيوم سرور في الزمان تؤب
وأفردت إفراد الطريد وباعدت ... بي النفس حاجات وهن قريب
لئن حال واش دون ليلى لربما ... أتى اليأس دون الأمر فهو عصيب
ومنيتني حتى إذا ما رأيتني ... على شرف للناظرين يريب
صددت وأشمت العدوّ بصرمنا ... أثابك يا ليلى الجزاء مثيب
والبيتان الأولان لمحمد بن أمية هذا ما نقله والصحيح أن البيت الأول للمجنون ذكر ذلك في النزهة وأقره في تسريح الناظر غير أنه قال في الثاني والثالث أنهما ليسا للمجنون وفيه وفي رواية هنا: بيوم سرور وفي الزمان تثوب. والمعنى واحد وبقي أبيات من هذه القصيدة آخرتها الآن لها حكاية وحين بلغه نقلها إلى الثقفي:
كان القلب ليلة قيل يغدى ... بليلى العامرية أو يراح