نبئت ليلى وقد كنا نبخلها ... قالت سقى الله منه منزلاً خربا
قالت لجارتها يوماً تسائلها ... لما استحمت وألقت عندها السلبا
يا حبذا راكباً كنا نهش له ... يهدي لنا من أراك الموسم القضبا
ناشدتك الله ألا قلت صادقة ... أصادق وصفه المجنون أم كذبا
وقيل إنما كان خروجه من نظره إليها يوم رحلها زوجها أو قومها حين بلغهم زيارته لها وكان حضوره يوم رحيلها على خفية رجاء أن يسكن ما به فزاغ واختشى قومه أن يفتضح فيقتل لما تقدم من أنه كان قد هدر دمه إن دخل الحي وحذر فقال الموت أولى وخرج على وجهه.
وعن الهذلي عن رجل من بني عامراً وهو رباح بن سعد بن اثالة قال خرجت أثر سماء أربعنا بها وأحيت الأرض بعد الجدب فبينا أنا بوادي القرى أو الغيل إذ لاح لي شخص إلى جانب حجر يبكي فقصدته وسلمت عليه وإذا هو المجنون فقلت ما يبكيك فقال هذا السيل ثم تنفس الصعداء ثم أنشد الأبيات التي وعدنا بها وهي تمام القصيدة التي أولها ألا أيها البيت وقيل أنه أنشد القصيدة كاملة في هذا الوقت، وفي النزهة أن خالد بن كلثوم ضم هذه إلى تلك من عند نفسه وإلا فالمجنون لم ينشدها إلا متفرقة وهي:
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلا حين أيقنت أنه ... يكون بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقى طيبكم فيطيب
فيا ساكني أكناف نخلة كلكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
أظل غريب الدار في أرض عامر ... إلى كل مهجور هناك غريب
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب
ولا خير في الدنيا إذا أنت لم تزر ... حبيباً ولم يطرق إليك حبيب
وقيل إن آخر مجلس للمجنون من ليلى أنه لما اختلط عقله ومزق ما عليه وتوحش جاءت أمه إليها فأخبرتها بذلك وسألتها أن تزوره فعساها أن تخفف ما به فقالت أما نهاراً فمتعذر خيفة أهلي وسآتيه ليلاً فأما أمكنتها الفرصة أتته وهو مطرق يهذي فسلمت عليه ثم قالت له:
أخبرت أنك من أجلي جننت وقد ... فارقت أهلك لم تعقل ولم تفق
فرفع رأسه إليها وأنشد:
قالت جننت على رأسي فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع الانسان في الحين
زاد عليها في نديم المسامرة:
لو تعلمين إذا ما غبت ما سقمي ... وكيف تسهر عيني لم تلوميني
ثم فارقته فهام من ثم مع الوحش وقيل سئل عن سبب خروجه فقال لقيتها يوماً فشكيت إليها ما نزل بي من حبها وقلت إن لم ترحميني ذهب عقلي فقالت هو المطلوب فهمت لمرادها وقيل كان هيمانه مقاصة لقوله:
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
ثم أن الأسانيد الصحيحة والآثار المتظافرة دلت على أنها كانت من الغرام به والميل إليه أيضاً بمنزلة عظيمة.
حكى رباح بن عامر وكان من الجريشيين قال دخلت من نجد أريد الشام فأصابني مطر عظيم فقصدت خيمة رفعت لي فإذا بامرأة فسألتها التظليل فأشارت إلى ناحية فدخلت وقد أقبل رعاة وإبل وغنم كثيرة ثم قالت للعبيد سلوه من أين الرجل فقلت من نجد فتنفست الصعداء ثم قالت نزلت بمن فيها فقلت ببني الجريش.
وفي رواية ببني جعدة فرفعت ستارة كانت بيننا وإذا بامرأة كأنها القمر ثم قالت أتعرف رجلاً فيهم يقال له قيس ويلقب بالمجنون قلت أي والله سرت مع أبيه حتى أوقفني عليه وهو مع الوحش لا يعقل إلا أن ذكرت له ليلى فبكت حتى أغمي عليها فقلت مم تبكين ولم أقل إلا خيراً فقالت وأنا والله ليلى المشؤومة عليه غير المساعدة له أو قالت غير المكافئة أو المواسية له ثم أنشدت:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رجل قيس مستقل فراجع
بنفسي من لا يستقل برحله ... ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع