ألا ليت عشري عن عو يرضي قبا ... لطول الليالي قد تغيرتا بعدي
وعن جارتينا بالنخيل إلى الحمى ... على عهدنا أم لم يدوما على العهد
وعن علويات الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهب على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو صانع ... إذا هو أثري ليلة بثرى جعد
وهل أسمعن الدهر أصوات هجمة ... تطالع من وهد خصيب إلى وهد
وهل انغضن الدهر أفنان لمتي ... على لاحق المتنين منذ لد الوخد
ومر يوماً على جبلي نعمان وهو موضع من نجد به جبلان ليسا بالعظيمين بينهما فاصل يسير فقال لرفقة معه هذا مكان يقرب من منزل كانت تنزل به ليلى قال فأي الرياح تهب منه قالوا الصبا فحلف لا يبرح من مكانه حتى تهب فمضوا وتركوه ثم عادوا بعد ثلاث فأقاموا معه حتى هبت فأنشد:
أيا جبلي نعمان بالله خليا ... سبيل الصبا يخلص إليّ نسيمها
أجد بردها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس مهموم تجلت همومها
قلت قال في النزهة بعد ذكر هذه الأبيات أن أبا الفرج بن الجوزي تزوج امرأة اسمها نسيم الصبا فأقام معها مدة ثم وقعت بينهما وحشة ففارقها فاشتد بها كلفه وزاد غرامه ورسالها فأبت عليه وطال بينهما الأمر وأنها حضرت مجلس وعظه يوماً فلاحت منه نظرة فرآها وقد استترت بجاريتين فتنفس الصعداء وأنشد أيا جبلي نعمان الأبيات فاستحيت ثم ذهبت وقد داخلتها الرقة له فحكت لبعض النساء ذلك فمضين فأخبرنه فراسلها فأجابت فتزوج بها ومر يوماً بعد ما تمكن منه التوحش بليلى ظاعنة فلما رآها سقط مغشياً عليه فأخذه بعض قومها فمسح عنه التراب وسألوها أن تكلمه رقة عليه فاستعذرت من الخوف فأرسلت امرأة تأمنها بالسلام والاستعطاف والاستعذار وأنها لولا الخوف لأتنه، فلما بلغته المرأة ذلك ثاب إليه عقله وأنشد:
أقول لأصحابي هي الشمس ضوءها ... قريب ولكن في تناولها بعد
لقد عارضتنا ريح ليلى بنفحة ... على كبدي من طيب أرواحها برد
فما زلت مغشياً علي وقد مضت ... أناة ولا عندي جواب ولا رد
أقلب بالأيدي وأهلي تعولني ... يفدونني لو يستطيعون أن يفدوا
ولم يبق إلا الجلد والعظم عارياً ... ولا عظم لي إن دام ما بي ولا جلد
أدنياي ما لي في انقطاعي وغربتي ... إليك ثواباً منك دين ولا نقد
عديني بنفسي أنت وعداً فربما ... جلا كربة المكروب عن قلبه الوعد
وقد يبتلي قوم ولا كبليتي ... ولا مثل وجدي في الشقاء بكم وجد
غزتني جنود الحب من كل جانب ... إذا حان من جند قفول أتى جند
وسئل يوماً وهو حاضر من الغمرة ما أحسن ما رأيت قال ليلى فقيل له ذلك معلوم وإنما نعني غيرها فقال ما رأيت شيئاً غيرها وذكرتها الاسقط من عيني إلا ظبياً رأيته يوماً فذكرت ليلى فزاد في عيني حساً فانطلقت أعدو خلفه حتى كلت رجلاي وغاب عن عيني فأخذت راحتي ثم انطلقت حتى وجدته وقد فتك به ذئب فأخذت سهماً وضربت به الذئب فلم يحظ قلبه، فشققت بطنه وأخرجت ما أكل فضممته إلى ما بقي من الظبي ودفنته، وأنشد:
أبى الله أن يبقى لحي بشاشة ... فصبراً على ما شاء الله بي صبرا
رأيت غزالاً يرتعي وسط روضة ... فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا
فيا ظبي كل رغد هنيئاً ولا تخف ... فإنك لي جار ولا ترهب الدهرا
وعندي لكم حصن حصين وصارم ... حسام إذا أعلمته أحسن العبرا
فما راعني الأذويب قد انتحى ... فأعلق في أحشائه الناب والظفرا
فبوأت سهمي في كتوم غمزتها ... فخالط سهمي مهجة الذئب والنحرا
فاذهب غيظي قتله وشقى جوى ... بقلبي الحر قد يدرك الوطرا