للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوالله لولا حب عفراء ما التقى ... عليّ رواقاً بيتك الخلقان

رواقان خفاقان لا خير فيهما ... إذا هبت الأرواح يصطفقان

ولم أتبع الأظعان في رونق الض ... حى ورحلي على نهاضة الخديان

لعفراء إذ في الدهر والناس غرة ... إذا خلقان بالصبي يسراني

لادنو من بيضاء خفاقة الحشى ... بنية ذي قارورة شنآن

كان وشاحيها إذا ما ارتدتهما ... وقامت عناناً مهرة سلسان

وليس بأبدان لها ملتقاها ... ومتناهماً رخوان يضطربان

وتحتيهما حقفان قد أذقتني ... وحزن ألح العين بالهملان

وعينان ما وافيت نشراً فتن ... ظراً بمأقيها الا هما تكفان

فهل حاد يا عفراء إن خفت فوتها ... عليّ إذا ناديت مرعويان

ضروبان للتالي القطوف إذا ولى ... بسيحان من يعصي به حذران

فما لكما من حاديين كسيتما ... سرابيل مغلاه من القطران

وما لكما من حاديين رميتما ... بحمى وطاعون ألا تقفان

فويلي على عفراء ويلاً كأنه ... على الكبد والأحشاء حدّ سنان

ألا حبذا من حب عفراء ملتقى ... نعم وإلا لا حيث يلتقيان

لو أن أشد الناس وجداً ومثله ... من الجن بعد الانس يلتقيان

ويشتكيان الوجد ثمة اشتكي ... لا ضعف وجدي فوق ما يجدان

فقد تركتني ما أعى لمحدّث ... حديثاً وإن ناجيته ونجاني

وقد تركت عفراء قلبي كأنه ... جناح غراب دائم الخفقان

قوله خليلي، خطاب بالنداء محذوف الأداة وليس بشرط أن يكونا وجوديين، فقد جرت عادة العرب بذلك، حتى قيل إنهم وإن خاطبوا الواحد جعلوا الصيغة لاثنين، أما ليجري مجرى التأكيد أو أنهم يطلبون التعظيم أو أنهما أقل الرفقة.

وقوله إلى حاضر البلقاء يريد المكان الذي كانت به كما سبق في الحكاية ويروي إلى حاضر الروحاء موضع بالبلقاء من طرف حوران وقوله حسرة الاصلاب صفة مشبهة كناية عن العجلة التي لم تدعه يشد كور الناقة ويروي نواخة السرى وموارة أي عجلة تبلغ المآرب وقوله بمن لو أراه البيت كناية عن الاتحاد وشدة المحبة حتى لم يقع تأثير بينهما من نقل شيء وقوله متى تكشفا.

روى بدله متى ترفعا، والأول أبلغ لاخصيته ولزوم رؤية البدن منه، وقوله إذا تريا جواب متى وروى بدله تعرفاً، والأول ألطف. وقوله كأن قطاة البيت قد أخذه المجنون حيث قال:

قطاة غرها شرك فباتت

البيت وهذا من السرقات العامة التي تتفاوت بحسن الاختلاس والتظرف ومعنى هذا أنه شبه كبده في شدة خفقاته من هياج نار العشق بقطاة علقت بجناح واحد وجعلت ترفرف بالآخر طلب الخلاص.

وأما المجنون فقد تظرف ثم بالغ لأنه جعل القلب هو القطاة بعينها وجعل المعلق هو الشرك واعلم أن ابن الأثير ألف كتاباً بأسماء أعمدة المعاني للمنثور والمنظوم ذكر فيه من اقترح معنى ومن سرق منه وزاد عليه فقال في هذا الموضع أن المجنون تظرف حيث أسند الخفقان إلى القلب والتعليق إلى الشرك وأما أنا فأقول إن قول عروة أبلغ لأن الكبد ليس من شأنه الحركة ولا الخفقان كما هو دأب القلب فإسناد الخفقان الناشىء عن العشق إليه أبلغ ولأن حركته تستلزم حركة القلب دون العكس ولا يساوي هذا المعنى كون محل التعقل ومسكن المحبوب كما في كلماتهم إذا الملحوظ حينئذ الروح الحيواني قوله عراف اليمامة قد سبقت قصته والعراف في الأصل الكاهن واستعمله هنا على الطبيب لاتحادهما لغة وما الثأتها يعني ما رددتها وهي كناية عن شدة المرض، وعمه المدعو عليه هو أبو عفراء وقد عرفت عذرهن وقوله فلو أن واش باليمامة قد استعاره المجنون حيث قال:

ولو أن واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضرموت أتانيا

وهي سرقة شنيعة مذمومة وهو هنا أظرف وأبلغ من حيث الايهام لأن قوله أحاذره من شؤمه يحتمل أن يكون بأقصى فارس وهذا هو اللائق بالمبالغة. وأما حضرموت واليمامة فكلاهما في إقليم واحد فلا يعظم مجيء الواشي.

<<  <   >  >>