للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صدقا الغرام فلم يمل طرف إلى ... فحش ولا كف لحل ازار

فتلاقيا وتفرقا وكلاهما ... لم يخش مطعن عائب أوزاري

ومنه ما حكى عن بعضهم قال حكت لي امرأة عن شخص هويها وهويته أنه قال لها يوماً ها لك أن نحقق ما قيل فينا فقالت معاذ الله أن أفعل ذلك وأنا أقرأ الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وقيل لأعرابي ليلة تزويج محبوبته أيسرك أن تظفر بها قال نعم قيل فما كنت تصنع بها قال أطيع الحب في لثمها وأعصي الشيطان في اثمها.

وعن الأصمعي قيل لأعرابي ما تصنع إن ظفرت بمحبوبتك قال امتع عيني من وجهها وسمعي من حديثها واستر منها ما يحرم كشفه إلا عند حله وأنشد ابن القاسم في المعنى وإن كان فيه بعد لأنك تعتبر الحياء من الايمان اللازم للعفة وخوف الله تعالى

كم قد خلوت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وقد أودى بمعقولي

يأبى الحياء وشيبي أن ألم به ... وخشية اللوم من قال ومن قيل

وأصرح منه في المقصود ما أنشده إبراهيم بن عرفة

كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر

وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتحديث والنظر

أهوى الحسان وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر

كذلك الحب لا اتيان معصية ... لا خير في لذة من بعدها سقر

وأخرج صاحب الأصل عن سعيد بن عقبة الهمذاني قال لأعرابي حضر مجلسه ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا فقال عذري ورب الكعبة ثم سأله علة ذلك فقال لأن في نسائنا صباحة وفي فتياتنا عفة وأخرجه في الخليفيات أيضاً وفي معناه أنشد حرب

ما أن دعاني الهوى لفاحشة ... ألا عصاني الحياء والكرم

فلا إلى محرم مددت يدي ... ولا مشت بي لزلة قدم

هذا ما جاء في الآثار من العشق مع العفة وأما ما يدل على كثرة وقوعه واختصاص قوم بمزيد منه فكثير. فمن ذلك ما أخرجه التنوخي عن عروة بن الزبير قال قلت لعذري أنكم أرق الناس قلوباً يريد أصباهم إلى الحب فقال نعم لقد تركت ثلاثين شاباً خامرهم السل ما بهم داء إلا الحب وقيل لشخص منهم مثله فقال كقوله وزاد لكن غلبتنا بنو عامر بمجونها وفي منازل الأحباب للشهاب محمود ليس حي أصدق في الحب من بني عذرة ولا نضرب الأمثال فيه إلا بهم وقال قلت يوماً أتعدون موتكم في الحب مزية وهو من ضعف البنية وهن العقدة وضيق الرئة فقال أما والله لو رأيتم المحاجر البلج ترشق بالعيون الدعج من تحت الحواجب الزج والشفاه السمر تبسم عن الثنايا الغر كأنها شذر الدر لجعلتموها اللات والعزى وتركتم الإسلام وراء ظهوركم وعن أبي عمرو بن العلاء قال استنطقت إعرابياً عند الكعبة واستنسبته لماذا هو فصيح عذري فسألته هل علقه الحب فأنبأ عن شدة ولوع فسألته ما قال في ذلك فأنشد

تتبعن مرمى الوحش حتى رميتنا ... من النبل لا بالطائشات المخاطف

ضعائف يقتلن الرجال بلا دم ... فيا عجباً للقاتلات الضعائف

وللعين ملهى في البلاد ولم يقد ... هوى النفس شيء كاقتياد الظرائف

وقال بعض حكماء الهند ما علق العشق بأحد عندنا إلا وعزينا أهله فيه. وحكى الحافظ مغلطاي أن العشق يختلف باختلاف أصحابه قال الغرام أشد ما يكون مع الفراغ وتكرار التردد إلى المعشوق والعجز عن الوصول إليه فعلى هذا يكون أخف الناس عشقاً الملوك ثم من دونهم لاشتغالهم بتدبير الملك وقدرتهم على مرادهم ولكن قد يتذللون للمحبوب لما في ذلك من مزيد اللذة كقول الحكم بن هشام

ظل من فرط حبه مملوكاً ... ولقد كان قبل ذاك مليكا

تركته جآذر القصر صباً ... مستهاماً على الصعيد تريكا

يجعل الخد واضعاً تحت ترب ... للذي يجعل الحرير أريكا

هكذا يحسن التذلل بالحرّ ... إذا كان في الهوى مملوكا

وقول الرشيد أيضاً

ملك الثلاث الآنسات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان

ما لي تطاوعني البرية كلها ... وأطعيهن وهن في عصياني

ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني

<<  <   >  >>