الْحَرْب فضلا عَمَّا جَاءَ بمعاهدة تلسيت من الشُّرُوط السّريَّة القاضية بتجزئة الدولة الْعلية الامر الَّذِي كَاد يخرج من حيّز الْفِكر إِلَى حيّز الْوُجُود لَوْلَا طلب القيصر اسكندر الاول ضم مَدِينَة الْقُسْطَنْطِينِيَّة إِلَيْهِ ليَكُون لَهُ بوغاز البوسفور والدردنيل وبالتالي مَفَاتِيح اوروبا بل مَفَاتِيح الْعَالم بأسره وَعدم قبُول نابليون بذلك خوفًا على مَمْلَكَته الشاسعة من تعدِي الروس
وَمن الْغَرِيب أَن جَمِيع دوَل اوروبا لَا تأنف من اسْتِعْمَال انواع الْغِشّ والخديعة فِي سياستهم حَتَّى صَارَت لَفْظَة سياسية عِنْدهم مرادفة للكذب والمين والتظاهر بِغَيْر الْحَقَائِق وَلَو عاملتهم احدى الدولة الشرقية لَا بِمثل هَذِه السياسة الَّتِي يتبرأ من الشرقيون بل بالصداقة مَعَ الْمُحَافظَة على الْحُقُوق فَمَا دَامَ حَقنا منافيا كَمَا هُوَ الْغَالِب لمطامعهم فِي بِلَادنَا رمونا بِمَا اتصفوا بِهِ وَنحن بُرَآء مِنْهُ
هَذَا وَلما بلغ رُؤَسَاء ثورة الصرب خبر معاهدة بخارست القاضية بارجاعهم إِلَى سلطة الدولة الْعلية الْمُطلقَة بعد مَا بذلوه من الاموال والارواح فِي اعطائهم نوعا من الِاسْتِقْلَال الاداري ووعد قَيْصر الروسيا بمساعدتهم احتدموا غيظا وَلم يقبلُوا الرُّجُوع إِلَى حالتهم الاصلية وآثروا الفناء فِي الدفاع عَن استقلالهم فسيرت الدولة اليهم الجيوش فأخضعتهم إِلَى سلطانها قهرا وَعَاد الموظفون العثمانيون إِلَى مراكزهم كَمَا كَانُوا قبل الثورة واسترجع جنود السباه اقطاعاتهم الاصلية فَهَاجَرَ زعماء الثورة إِلَى النمسا والمجر منتظرين اول فرْصَة لاهاجة الامة ثَانِيَة طلبا للاستقلال الا احدهم الْمَدْعُو ميلوش اوبرينوفتش فانه بَقِي فِي بِلَاده واظهر الْوَلَاء للدولة حَتَّى عينته بوظيفة شيخ بلد لاحدى الْقرى وظل يهيج افكار الاهالي على الثورة ويبث فيهم روح الْحُرِّيَّة حَتَّى إِذا انس مِنْهُم الاستعداد للْقِيَام كَرجل وَاحِد انتهز فرْصَة عيد الزَّحْف فِي سنة ١٨١٥ الَّذِي يحتفل بِهِ المسيحيون